في 30 نوفمبر 2024، أدلى الرئيس المنتخب دونالد ترامب بتصريح قوي على منصة X أعلن فيه أن دول البريكس تبتعد عن الدولار “بينما نقف مكتوفي الأيدي ونراقب الأمر”. وجاء توقيت هذا البيان بعد شهر واحد فقط من حضور كبار الشخصيات من 36 دولة و6 منظمات دولية لقمة البريكس السادسة عشرة التي عقدت في قازان، روسيا. وأكد ترامب أن البلدان “ستواجه تعريفات جمركية بنسبة 100٪” سواء كانت تنوي استبدال الدولار بعملة البريكس أو أي عملة أخرى.
يأتي التهديد الجريء الذي أطلقه ترامب في لحظة حرجة في العلاقات الاقتصادية الدولية، حيث انتقد عدد كبير من زعماء العالم مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين علنا دور الدولار باعتباره “سلاحا”. وبالإضافة إلى ذلك، فإن دعوة ترامب لفرض رسوم جمركية بنسبة 25٪ على كندا والمكسيك ورسوم جمركية بنسبة 10٪ على الصين تثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الحزمة الجديدة من الرسوم الجمركية قادرة على حماية أولوية الدولار والهيمنة المالية الأساسية لمؤسسات مجموعة السبع.
أثار تقرير لمصرفي جولدمان ساكس جيم أونيل في عام 2001 مخاوف بشأن تحالف من البلدان قد يتحدى، إن لم يكن يحل محل، دول مجموعة السبع، وتوسعت المجموعة الآن وأطلقت مجموعة من المؤسسات الموازية لتقديم بديل للنظام الدولي الليبرالي للدول الصغيرة والمتوسطة. واعتبارا من عام 2024، تبلغ حصة دول البريكس من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من حيث تعادل القوة الشرائية (PPP) 34.9٪ مقابل 30.05٪ لمجموعة السبع، بينما في عام 2000، بلغت حصة مجموعة السبع 43.28٪، وشكلت مجموعة البريكس 21.37٪ فقط.
كما أثارت عودة ترامب إلى البيت الأبيض مخاوف بشأن ما إذا كانت دول مجموعة السبع، بقيادة زعيم معلن عن انعزالية واشنطن، قادرة على الصمود في مواجهة كتلة البريكس. ففي إحدى تجمعات حملته الانتخابية في ولاية ويسكونسن في 8 سبتمبر 2024، أدان ترامب بشدة نزع الدولرة من التجارة العالمية، وقال بوضوح: “إذا تركت الدولار فلن تتمكن من التعامل مع الولايات المتحدة لأننا سنفرض تعريفة جمركية بنسبة 100% على بضائعك”.
ويفسر هذا التهديد سبب سعي الدول المتحالفة مع مجموعة البريكس إلى بناء بدائل للدولار على مدى السنوات الست عشرة الماضية. والواقع أن عضو مجلس الدولة الصيني يانغ جيتشي لاحظ في نوفمبر 2017 خلال إدارة ترامب الأولى كيف أصبح “من الصعب على مفاهيم وأنظمة ونماذج الحكم الغربية مواكبة الوضع الدولي الجديد”، مجادلا كذلك بأن الحكم العالمي بقيادة الغرب “أخفق” ووصل إلى نقطة “لا يمكن إصلاحها”.
ولذلك ليس من المستغرب أن مجموعة البريكس تأسست في عام 2009، مباشرة بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008. ووفقا لتقرير صادر عن مجموعة بوسطن الاستشارية، فإن التجارة بين اقتصادات مجموعة البريكس تجاوزت التجارة بين دول مجموعة البريكس ومجموعة الدول السبع. وتمثل مجموعة الدول التسع نصف سكان العالم وما بين ربع وثلث الاقتصاد العالمي، ولها أربعة أهداف: (1) إنشاء نظام مالي بديل للنظام الغربي، (2) تنسيق السياسة الاقتصادية بشكل أفضل، (3) السعي إلى تمثيل أكبر في الحوكمة العالمية، و(4) الحد من الاعتماد على الدولار الأمريكي.
وفي حين يحاول الخطاب الاستراتيجي الذي وضعه المحللون تقديم تقييمات للتهديدات من العواصم الغربية، فقد نجح الأكاديميون الغربيون في مجال العلاقات الدولية في بناء إطار أفضل لشرح هذه الظاهرة الفريدة من خلال نظرية انتقال القوة.
تشرح نظرية انتقال القوة، التي صاغها في عام 1958 عالم السياسة بجامعة ميشيغان أ.ف.ك. أورغانسكي، كيف تجد القوة المهيمنة السائدة في النظام الدولي نفسها في خطر الحرب النظامية عندما يلحق منافس صاعد بقوة مهيمنة. وإذا طبقنا هذا على دول مجموعة البريكس، فإنه يفسر كيف يمكن لروسيا والصين أن تتناوبا في قيادة مهمة الاستفادة من الجغرافيا والسكان والثقل الاقتصادي لاقتراح مجموعة جديدة من المنظمات الدولية العازمة على استبدال المؤسسات الغربية بقيادة مجموعة الدول السبع.
وفي سعيها إلى تحقيق هدف النظام المالي البديل، أنشأت الصين، من خلال ثقلها الاقتصادي، بنك التنمية الجديد، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية، وترتيب الاحتياطي الطارئ من أجل تحدي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
ويزعم الأساتذة ساوري كاتادا وسينثيا روبرتس وليزلي إليوت أرميجو في كتابهم “البريكس والحكم المالي الجماعي”، كيف توحد هذا النادي الفريد من القوى الصاعدة حول مصالحه المشتركة في “المراجعة العالمية” من خلال موارد القوة العسكرية والمالية للتأثير على النتائج الدولية من خلال نظرية النادي.
ولكن المتشككين في قدرة مجموعة البريكس على إدارة نظام مالي عالمي بديل يسارعون إلى الإشارة إلى التفاوتات الهائلة في القدرات الاقتصادية بين دول مجموعة البريكس ومؤسسات مجموعة السبع السائدة.
ويوضح أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، باري إيكنجرين، هذه القيود من خلال سرد كيف أن الرنمينبي الصيني يمثل أقل من 6% من تسويات التجارة، وتدير البنوك الصينية 3% فقط من المعاملات اليومية من حيث القيمة لمراكز التقاص في الولايات المتحدة.
وهناك من يشككون في جدوى التعاون بين أعضاء هذا المنتدى بسبب الخلافات الأمنية والجيوسياسية بين بعض دوله. فهناك الخلاف الحدودي بين الصين والهند والذي أدت حادثته الأخيرة على حدود جالوان في عام 2020 إلى تعميق نيودلهي للعلاقات مع الولايات المتحدة. ويتضح ذلك من زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى واشنطن عام 2023، مما أدى إلى أكبر صفقات التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والهند.
وعلاوة على ذلك، فإن الإدراج الأخير لدول الشرق الأوسط مثل إيران ومصر والإمارات العربية المتحدة بعد قمة البريكس 2023 يثير تساؤلات حول التنافس الإقليمي الذي قد ترثه هذه الخيمة الكبيرة الآن. كما يثير إدراج المملكة العربية السعودية مؤخرا الشكوك، نظرا لمنافستها الأمنية مع إيران. وأوضحت الرياض هذه النقطة خلال قمة البريكس 2024 في قازان، حيث حضر وزير الخارجية السعودي في اليوم الأخير فقط.
إن إدخال ترامب في المعادلة على رأس كتلة مجموعة السبع لا يشير على الفور إلى إيجاد قضية مشتركة تمتن العلاقات بين أعضاء مجموعة البريكس. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي دخول ترامب على الخط إلى تسريع القضايا المشتركة بشأن مخاوف مثل التعاون المناخي والحكم المالي لصالح الدول الأعضاء التي تخضع بالفعل لعقوبات شديدة.
المصدر: ناشيونال إنترست
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب