تدور العديد من الأساطير على “ياكوزا” ومدى قوتها وتأثيرها في اليابان، علاوة على ما يقال عن شبكاتها في الولايات المتحدة والصين، وكوريا الجنوبية وتايلاند والفلبين. في تاريخ هذه المافيا الشهيرة اختلط الخيال بالواقع.
تتحدث تقارير الشرطة اليابانية الرسمية عن وجود 110 ألف عضو في المافيا اليابانية حاليا، وهي تضم حوالي 2500 عصابة منتشرة في جميع أنحاء البلاد، وهي على تواصل دائم وتقتسم فيما بينها العالم الذي تنشط فيه إلى مناطق نفوذ محددة.
بداية “ياكوزا” المعاصرة كانت في النصف الأول ممن القرن العشرين. ظهرت في عام 1930 إحدى عصاباتها الشهيرة وكانت تسمى “ياماغوتشي غومي” على اسم مؤسسها. انخرطت هذه العصابة في ممارسة الابتزاز والإقراض الربوي، وسيطرت على مؤسسات صناعية عديدة. في تلك الحقبة بدأت “ياكوزا” في التعاون مع السلطات الحكومية. على سبيل المثل قام أعضاؤها في عام 1934 بالتدخل وإنهاء اضراب للعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة في مدينة كوبي.
من الأمور اللافتة المعنى الذي يضمنه الاسم “ياكوزا”. يا في اللغة اليابانية تعني ثمانية، وكو تعني تسعة، وزا ثلاثة. هذه التركيبة لأوراق اللعب أثناء القمار في اليابان تعد الأسوأ. بهذا الاسم أراد القائمون على هذه المافيا القول إنه حتى في أسوأ الظروف والأحوال، لا بد من إيجاد مخرج والانتصار!
يرتبط أعضاء ما يمكن وصفها بـ”عشائر” المافيا اليابانية “ياكوزا” بعلاقات اجتماعية عريقة ومترسخة مبنية على أساس علاقة الاب والابن، بغض النظر عن وجود قرابة من عدمها.
بالنسبة للملامح الخاصة الأخرى، يستخدم أعضاء ياكوزا مثل نظرائهم في أنحاء كثيرة من العالم الأوشام، ومنذ قرون عديدة كعلامات مميزة للمكانة والانتماء العشائري. الوشم في اليابان ارتبط لفترة طويلة بالمافيا فقط، وهو يتميز بشموليته وبالرسوم الخاصة الكبيرة وبأنه أحيانا يغطي الجسم بالكامل.
مافيا “ياكوزا” مثل غيرها من المنظمات الإجرامية لها ميثاق شرف خاص وطقوس في التعامل وفي المحاسبة بعضها قاس ودموي. على سبيل المثال حين يفشل أحد أعضاء أو رؤساء هذه العصابات في عمل ما، يكون ملزما بالتضحية بفقرة من أصابع يديه. يقطع الرجل بسكين جزءا من أحد أصابعه ويسلمه إلى رئيس العشيرة علاوة على الولاء وعلى التضحية. في الوقت الحالي يخفي أعضاء ” ياكوزا” عن الأنظار ما اقتطع من أصابعهم بأطراف صناعية.
مافيا “ياكوزا” والموقف من الاحتلال الأمريكي لليابان:
في سنوات تنامي الأفكار الاشتراكية ما بعد الحرب العالمية الثانية، استخدمت النخبة الحاكمة في اليابان “ياكوزا” في مواجهة النشاطات الاشتراكية والعمالية، وذلك لأن هذه المافيا المعروفة بتمسكها بهويتها الوطنية والتقاليد اليابانية القديمة، كانت معارضة بشدة للأفكار الاشتراكية وللشيوعية بشكل خاص. أعضاء “ياكوزا”، كانوا شاركوا في تلك الفترة بنشاط في قمع الإضرابات العمالية.
عصابات “ياكوزا” في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تعاونت مع سلطات الاحتلال الأمريكية. من ذلك أن اعضاءها بدأوا في عام 1950 في تقديم خدمات للقواعد العسكرية في كوريا، وخاصة في مجال صناعة الترفيه.
ترتب على تعاون أعضاء المافيا اليابانية مع السلطات، أن الشرطة في تلك الفترة كانت تغض الطرف عنهم وبدلا من محاربتهم، شاركت في إضفاء الشرعية جزئيا على أنشطتهم. مثلا تم تقنين نشاطات القمار وأدخلت إصلاحات على بيوت الدعارة، وبالتالي تحولت “ياكوزا” بالتدريج إلى مجال “الأعمال القانونية”.
هذا الوضع المهادن بدأ في التغير منذ تسعينيات القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. شنت الحكومة حربا واسعة على نشاطات المافيا، وصدرت تشريعات ومراسيم أضرت بأنشطتها ومصالحها وحدت من تأثيرها بدرجة كبيرة.
في السنوات الأخيرة بعد أن تأقلمت مع وضعها الجديد في المجالات المقننة، تزايدت نشاطات أعضاء “ياكوزا” في مجال الأعمال الخيرية. على سبيل المثال ساعد هؤلاء بعد كارثة فوكوشيما الضحايا من خلال توزيع المساعدات الإنسانية وتنظيم مراكز للإيواء والرعاية.
أعضاء المافيا اليابانية تأقلموا من أجل البقاء، وقاموا في عام 2020 مع انتشار جائحة الفيروس التاجي بتوزيع الأقنعة والأدوية المطهرة في الأماكن العامة وفي المدارس والمستشفيات ومحطات المترو. كل ذلك بطبيعة الحال لا يعني أن “ياكوزا” تابت عن الأعمال الإجرامية، وأصبحت “فاعل خير”.
كل ما في الأمر أن نشاطاتها “المشبوهة” أصبحت بعيدة عن الأنظار وتجري في الخفاء في سرية تامة، وإن كانت بشكل اقل بكثير مما كانت عليه في السابق، كما يؤكد بعض الخبراء.
المصدر: RT
إقرأ المزيد
قائد عربة ثمل يفسد محاولة اغتيال كبرى!
كان نابليون بونابرت يستعد ليلة 24 ديسمبر 1800 للذهاب إلى مسرح باريس لمشاهدة العرض الأول لأوبرا الخلق للموسيقي الشهير جوزيف هايدن، وكانت مجموعة من المتآمرين قد خططت لمنعه من ذلك.
ماري أنطوانيت والألعاب النارية “القاتلة”!
أصبحت الألعاب النارية منذ زمن بعيد لا غنى عنها في الاحتفالات المختلفة بما في ذلك المناسبات الوطنية، ومع ذلك فقد تتحول بهجة هذه الألعاب بأصواتها الزاهية وفرقعاتها إلى مأس مفجعة.