ذا ناشيونال إنترست: غزة بعد “حماس”


وجاء في المقال المنشور على الموقع:

لا شك أن التحدي الأبرز الذي ظل صناع السياسات يتصارعون معه على مدار الأشهر الخمسة عشر الماضية هو تحدي “اليوم التالي في غزة”، فيما قدّر كبار المفاوضين، فيما يبدو، أن اتفاق وقف إطلاق النار سيكون لديه فرصة أفضل لإعادة الرهائن الأحياء إلى ديارهم فقط إذا ما تركت القضايا الشائكة الأكثر حساسية مثل إعادة الإعمار والحكم والتعافي الاقتصادي لمراحل لاحقة.

إقرأ المزيد

 ويدعم أعضاء اليمين الإسرائيلي المتطرف، مثل وزير الدفاع السابق إياتامار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريش، اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، “بتطهير” غزة ونقل نحو 1.5 مليون فلسطيني مؤقتا، وربما بشكل دائم، إلى مصر والأردن المجاورتين.

وباعتبارها لاعبا رئيسيا في عملية التفاوض على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وغزة، يتعين على الولايات المتحدة أن تستغل قنواتها الدبلوماسية القائمة لإقناع تل أبيب بأن من مصلحة إسرائيل السماح للسلطة الفلسطينية الإصلاحية بحكم غزة بعد الحرب بدلا من الدعوة إلى الترحيل القسري لمليوني مدني من منازلهم، وهو ما سيؤدي إلى تأجيج الاستفزازات القائمة الملتهبة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وإقرار مساعي اليمين الإسرائيلي المتطرف لإعادة التوطين اليهودي الدائم في غزة.

ولتسهيل انتقال ناجح وسلمي، يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل مع شركائها في الخليج وحلفائها العرب الآخرين لقيادة جهود حفظ السلام والاستقرار متعددة الأطراف في غزة، والتي يمكنها أن تضطلع بدور مراقبة شروط وقف إطلاق النار والإشراف على إصلاح السلطة الفلسطينية لضمان قدرتها على تحمل المسؤولية الكاملة عن القطاع.

ومن المرجح أن يؤدي فشل الولايات المتحدة في اتخاذ مثل هذه الخطوات إلى انتعاش سريع ومنظم لحركة “حماس” في غزة، وحلقات مستقبلية متكررة من العنف، فرغم مرور أكثر من عام على القتال العنيف، الذي استهدف تجريد “حماس” من سلطتها السياسية والعسكرية، فإن مسلحي كتائب “القسام” يقومون حاليا بدوريات في شوارع غزة بالآلاف، فيما تسمح شروط اتفاق وقف إطلاق النار لقوات شرطة “حماس” باستئناف مهام إنفاذ القانون الأساسية في إدارة القانون والنظام، وتأمين قوافل المساعدات، والإشراف على عودة المدنيين إلى شمال القطاع. في الوقت نفسه، ليست هناك إجابة بشأن من وكيف ستكون السلطة في المنطقة على المدى البعيد.

إقرأ المزيد

وبدون جهد سريع ومستهدف لاستبدال “حماس” بهيكل بديل قادر على الحكم، فإن جهود إسرائيل للقضاء على التهديدات التي تواجه سكانها المحليين وأمنها الإقليمي الأوسع ستذهب سدى. يتعين على إسرائيل ان تسمح للسلطة الفلسطينية باستعادة السيطرة على غزة حتى تتمكن من ملء المساحة التي تحتلها “حماس” حاليا بإدارة مدنية قادرة على توفير الخدمات الأساسية، والإشراف على جهود إعادة الإعمار وتهدئة دورات العنف المستمرة.

وفي شكلها الحالي، تبدو السلطة الفلسطينية، بقيادة رئيسها المتقدم في السن محمود عباس، غير قادرة على إدارة التوترات المتصاعدة في الضفة الغربية، ناهيك عن إعادة بناء قطاع غزة المدمر بعد خمسة عشر شهرا من الحرب. والدور الذي ينبغي أن تلعبه الولايات المتحدة الآن في دعم إصلاح السلطة الفلسطينية ينبغي أن يتمثل في الضغط على عباس لحمله على الاستقالة والسماح لإدارة جديدة بالتدخل وتولي المسؤولية، وهو ما قد يفتح فرصا جديدة لإعادة ضبط العلاقة المضطربة تاريخيا بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

ولدعم السلطة الفلسطينية في إجراء الإصلاحات الحاسمة وإعادة دخولها إلى غزة لأول مرة منذ ما يقرب من 18 عاما، تستطيع الولايات المتحدة وشركاؤها في الخليج، بل وينبغي عليهم، أن يلعبوا دورا رئيسيا في تنظيم بعثة دولية قصيرة الأمد لحفظ السلام والاستقرار، والتي يمكن أيضا أن تضطلع بمهام المراقبة على شروط وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حماس”.

ويمكن أن تعمل قوة متعددة الجنسيات، بمساعدة شركاء فلسطينيين محليين ودول خليجية داعمة كمنسق مركزي لإعادة بناء البنية الأساسية وتأمين وتوزيع المساعدات وتوجيه جهود الإنعاش، وبالتالي تقييد قدرة “حماس” بشكل كبير في السيطرة على قوافل المساعدات، و”ابتزاز” المدنيين للسيطرة على الموارد المحدودة، وتهريب الأسلحة إلى القطاع.

وأي قوة مؤقتة ستدخل غزة ينبغي أن تفعل ذلك بموجب ولاية محددة المدة مع فهم أن هدفها هو استقرار الأوضاع على الأرض حتى تتمكن السلطة الفلسطينية من تحمل المسؤولية الكاملة عن جهود إعادة الإعمار، وهو ما من شأنه أن يمنع صفة “الاحتلال” عن أي دولة مشاركة في التحالف بما في ذلك الولايات المتحدة.

إقرأ المزيد

ولإبعاد “حماس” عن المشهد بشكل دائم، يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل جنبا إلى جنب مع شركائها العرب والإسرائيليين لدعم عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة. ورغم ان القيام بذلك سيستلزم دعم إصلاحات جوهرية في السلطة الفلسطينية، وتنظيم مليارات الدولارات في شكل مساعدات إغاثة، وتوفير دعم لوجستي كبير لرام الله، فإن السماح للسلطة الفلسطينية باستعادة السيطرة على غزة أمر بالغ الأهمية لتهجير “حماس” وتحسين حياة الملايين من الفلسطينيين.

وكان وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن قد صرح، في خطاب له أمام المجلس الأطلسي 14 يناير، بأن شركاء الولايات المتحدة بما في ذلك المملكة العربية السعودية ومصر والأردن قد أعلنوا أنهم لن يوافقوا على المشاركة في عملية حفظ السلام في غزة ما لم تتم إعادة توحيد غزة والضفة الغربية “تحت سلطة فلسطينية إصلاحية كجزر من الطريق إلى دولة فلسطينية مستقلة”، حيث تابع بلينكن: “إن التوصل إلى اتفاقيات سيتطلب من جميع الأطراف استحضار الإرادة السياسية لاتخاذ قرارات صعبة وتقديم تنازلات صعبة”.

وسيكون أحد هذه القرارات الصعبة هي تحديد من سيحكم غزة بعد الحرب، حيث من المؤمل أن تؤدي الإجابة على هذا السؤال إلى تخفيف المعاناة الإنسانية في غزة وتهدئة المخاوف بشأن الأمن المستقبلي للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.

المصدر: ذا ناشيونال إنترست

*ديلانيي سوليداي: مساعدة بحثية في برنامج أمن الشرق الأوسط بمركز الأمن الأمريكي الجديد. وقبل انضمامها للمركز عملت كمساعدة بحثية في برنامج “جينيت وإيلي راينهارد” لمكافحة الإرهاب والاستخبارات بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. حصلت على درجة البكالوريوس في الشؤون الدولية من جامعة جورج ميسون، وتجيد اللغتين الإنجليزية والعربية.

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
Comments (0)
Add Comment