وجاء في المقال المنشور على موقع الجريدة:
ألقى المبعوث القادم للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى أوكرانيا كيث كيلوغ، نهاية الأسبوع الماضي، خطابا في باريس خلال فعالية للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية NCRI، والذي يعرف أيضا باسم منظمة “مجاهدي خلق” MEK، وهي جماعة إيرانية منفية تسعى للإطاحة بالحكومة الإسلامية في البلاد.
وقد دعا كيلوغ إلى إعادة فرض حملة “الضغط الأقصى” على إيران، التي كانت سمة مميزة لإدارة ترامب الأولى، وهي الفترة التي شهدت تخلي ترامب عن الاتفاق النووي المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA، واغتيال القائد البارز لفيلق القدس قاسم سليماني، الحدث الذي أوشك أن يشعل حربا بين واشنطن وطهران أوائل العام 2020. وأكد كيلوغ أن “ضعف النظام” يعني أن “الوقت يقترب للحركة نحو إيران حرة ومختلفة”.
وقد ركّزت الفعالية في باريس على استغلال الانتكاسات الجيوسياسية لإيران، مثل الضربات التي تعرّض لها “حزب الله” في لبنان، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، إضافة إلى المشكلات الداخلية المتصاعدة في البلاد مثل أزمة الطاقة. وتسعى منظمة “مجاهدي خلق”، التي تناصب الجمهورية الإسلامية عداء شديدا، إلى أن تكون في طليعة الجهود الرامية لتغيير النظام في إيران.
لكن المنظمة ليست بأي حال معرضة شرعية أو ديمقراطية لحكام طهران الحاليين. فلديها جذور ماركسية-إسلامية متطرفة وتاريخ من قتل الأمريكيين (وهو ما أدى إلى إدراجها على قائمة الإرهاب الأمريكية). كما توثق منظمات بحثية جادة مثل “هيومان رايتس ووتش” ومؤسسة “راند” انتهاكاتها لحقوق الإنسان وممارساتها الداخلية التي تتسم بالطابع الطائفي الشمولي. كما أن دعمها لصدام حسين خلال الحرب الإيرانية العراقية، ثمانينيات القرن الماضي، جعلها مكروهة لدى الإيرانيين، حتى لأولئك الذين لا يتعاطفون مع الجمهورية الإسلامية.
فما الذي يجعل هذه الجماعة تجذب اهتمام عدد من السياسيين والمسؤولين الغربيين؟
قد يكون هناك مؤمنون حقيقيون بتوجه المنظمة، لكن التفسير الآخر هو أن “مجاهدي خلق” هي منظمة غنية تنفق مبالغ طائلة على المتحدثين في فعالياتها. وقد نجحت جهودها في الضغط لإزالة اسمها من قائمة الإرهاب الأمريكية عام 2012.
وكيلوغ ليس الوحيد في الإدارة القادمة الذي تواصل مع المنظمة، فوزير الخارجية القادم ماركو روبيو فعل الشيء نفسه، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى نفوذ المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية و”مجاهدي خلق” في واشنطن بعد 20 يناير، وكيف سيتوافق تأثيرها مع مواقف ترامب نفسه، الذي صرح علنا أنه لن يسعى لتغيير النظام في إيران كهدف للسياسة الخارجية في ولايته الثانية.
إن أفعال كيلوغ تثير شبحاً مزعجاً من السوابق في إدارة ترامب الأولى، حينما تفاخر بعض المسؤولين بتقويض أجندة الرئيس.
إلا أن السؤال الأكثر إلحاحا هو: لماذا يتحدث كيلوغ، وهو مبعوث أوكرانيا، عن إيران في باريس؟
كان من المتوقع أن يسافر الجنرال كيلوغ إلى أوكرانيا في يناير لاختبار الأجواء مع الرئيس فلاديمير زيلينسكي لإنهاء الحرب، لكن زيارته تأجلت، وفسرت الخارجية الأوكرانية ذلك إلى عقبات قانونية أمريكية تمنع مثل هذه الاتصالات قبل التنصيب الرسمي للرئيس (قانون لوغان).
لكن هذه الحجة غير مقنعة. فالمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف زار إسرائيل وقطر وضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقبول بتنازلات للإفراج عن الرهائن قبل تنصيب ترامب، دون أن تعيق تلك الجهود أي عقبات قانونية.
الأرجح أن تأجيل زيارة كيلوغ كان سببه اختلاف أفكار زيلينسكي بشأن إنهاء الحرب عن تلك التي يروّج لها ترامب. ففي مقابلة مع المدون الأمريكي الشهير ليكس فريدمان، أكد زيلينسكي أن إنهاء الحرب مستحيل دون دعوة أوكرانيا للانضمام إلى “الناتو” أو الحصول على ضمانات أمنية قوية من الولايات المتحدة.
لكن لا دليل على توافق هذه الأفكار مع تفكير ترامب. ففي تصريح حديث، أبدى ترامب “تفهما” للمخاوف الأمنية الروسية المتعلقة بجنوح أوكرانيا نحو “الناتو”، ورفض إشراك الحلفاء الأوروبيين في المفاوضات المستقبلية.
توضح هذه التعقيدات حجم التحدي لإنهاء الحرب، حيث يتطلب الوصول إلى طاولة المفاوضات تركيزا دبلوماسيا حادا وانضباطا في فريق ترامب. ورحلة كيلوغ إلى باريس للحديث عن منظمة إيرانية مثيرة للجدل ليس سوى تشتيت ضار عن مهمته الأساسية.
المصدر: The American Conservative
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب