لقد كرست حياتي للدفاع عن حرية التعبير لأن التاريخ يثبت أنها المحرك الأكثر أهمية لضمان حقوق الإنسان. ولكن إذا كانت مارغريت برينان، مقدمة برنامج “واجه الأمة” على قناة سي بي إس، محقة عندما زعمت الأسبوع الماضي أن “حرية التعبير استُخدِمَت كسلاح لارتكاب إبادة جماعية” في ألمانيا، فإن هذا من شأنه أن يشكل حجة قوية لصالح الرقابة. ولكن من المؤسف أنها كانت مخطئة.
وإنصافاً لبرينان، فإنها كانت تكرر افتراضاً شائعاً للغاية: وهو أن النازيين وصلوا إلى السلطة أثناء جمهورية فايمار في ألمانيا بسبب تسامحها مع خطابهم البغيض. ولكن السجل التاريخي يكذب هذا الافتراض، ولهذا السبب يطلق عليه غالباً “مغالطة فايمار”.
في الواقع، كانت هناك قوانين تجرم خطاب الكراهية والتمييز في ألمانيا في عهد جمهورية فايمار. وقد تم تطبيق هذه القوانين بصرامة، بما في ذلك ضد قادة النازيين مثل جوزيف جوبلز، ويوليوس شترايشر، وحتى هتلر نفسه. وقد أدين المئات من المحرضين النازيين بتهمة التشهير الجماعي، والتحريض على العنف “الطبقي”، وإهانة الطوائف الدينية. كما أدت قوانين مماثلة على البرامج الإذاعية والصحف والتجمعات والخطابات النازية إلى ملاحقات قضائية لا حصر لها.
وبصرف النظر عن مدى إيجابية نواياهم، فإن قوانين خطاب الكراهية الألمانية هذه أتت بنتائج عكسية حيث تحولت إلى انقلاب في العلاقات العامة للنازيين، الذين زعموا أنهم يُعاقبون لأنهم قالوا الحقيقة للسلطة. وعلى سبيل المثال، أصبحت صحيفة شترايشر المعادية للسامية بشكل شرس أكثر شعبية كلما زادت مصادرتها.
لقد أدى حظر التحدث على هتلر إلى ظهور ملصقات تصوره شهيدًا لحرية التعبير، وفمه مغلق بشريط لاصق. والأسوأ من ذلك أن النازيين، بمجرد استيلائهم على السلطة، استخدموا هذه القوانين ذاتها لإسكات وسجن معارضيهم. وتوضّح هذه التجربة عيبا متأصلا في أي قيود على ما يسمى بخطاب الكراهية لأن هذا المفهوم ذاتي لا مفر منه، فالسلطات التنفيذية تُمنح السلطة لقمع أي خطاب غير مرغوب فيه.
من المؤسف أننا لا نحتاج إلى النظر إلى ما هو أبعد من ألمانيا نفسها بحثا عن أمثلة لقوانين خطاب الكراهية المعاصرة التي تسير على نحو خاطئ كما كان متوقعا. فمثلا قام ستة ضباط شرطة ألمان مؤخرا بمداهمة منزل رجل عند الفجر بسبب تغريدة ساخرة عن سلوك مسؤول حكومي منافق. وهذا مثال كلاسيكي على خطاب المعارضة الذي يشكل شريان الحياة لأي حكومة ديمقراطية. وفي عام 2024، تم إغلاق المسيرات المؤيدة للفلسطينيين بسبب المخاوف بشأن احتمال انتشار خطاب الكراهية على الرغم من أن الرسائل التي تم قمعها كانت بلغة أجنبية.
ومن الأمور المزعجة بشكل خاص العقوبة المنتظمة التي تفرضها ألمانيا على أي رسالة تحتوي على ما يسمى “خطاب الكراهية”، حتى لو كانت الرسالة تسخر منه وتدينه. فعلى سبيل المثال، في عام 2021، بدأ المدعي العام في كولونيا إجراءات ضد عمدة كولونيا وعضو في مجتمعها اليهودي بسبب تغريداتهما التي شاركا فيها صورة لملصق معاد للسامية.
كان الهدف من التغريدة التنديد بمشكلة معاداة السامية المستمرة، ولهذا السبب جاء في الرسالة المرفقة بالتغريدة: “أي شخص يفكر بهذه الطريقة ليس له عمل في كولونيا أو في أي مكان آخر في مجتمعنا”. ومع ذلك، قال المدعي العام إنه من واجبه التحقيق لأن القانون الألماني يحظر تمامًا أي توزيع لخطاب الكراهية، بغض النظر عن نيته.
وعلى نحو مماثل، استُخدم قانون الرقابة الصارم على الإنترنت في ألمانيا، والذي دخل حيز التنفيذ في عام 2018، بسرعة لمعاقبة ليس فقط التغريدات المناهضة للهجرة التي كتبها زعماء حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف في ألمانيا، ولكن أيضا تغريدات الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان التي سخروا منها وانتقدوها.
إن الصعود المطرد لحزب البديل من أجل ألمانيا في الدعم السياسي والسلطة، على الرغم من نظام الرقابة الصارم في ألمانيا، يعكس بشكل مأساوي أحداث فترة فايمار: إن الرقابة على الرسائل البغيضة والمكروهة لا تقمع الأفكار الكامنة وراءها. بل إنها قد تعمل على تضخيمها.
إنني مدينة بحياتي حرفياً لنهاية الهولوكوست. ولو أظهرت الأدلة أن الرقابة كان بوسعها أن تتجنبها، لكنت أزل من يؤيدها. ولكن لا يوجد دليل من هذا القبيل.
وبدلاً من محاولة فرض الرقابة على الكلام الذي نكرهه ونخشى عواقبه، فإن علينا أن لا نقمع الكراهية بإسكات الأصوات التي تعبر عتها، بل علينا أن نواجهها بشكل مباشر.
المصدر: فوكس نيوز
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب