وجاء في المقال المنشور على موقع الجريدة:
“لا شيء عن أوكرانيا بدون أوكرانيا”
منذ بداية “الغزو” كان هذا هو شعار الولايات المتحدة: الوعد بعدم الانخراط في لعبة روسيا المتمثلة في تقسيم البلدان الثالثة بين القوتين العظميين.
لم يعد الأمر كذلك.
فيما وصفه دونالد ترامب بأنه مكالمة هاتفية “مثمرة للغاية”، اتفق هو وفلاديمير بوتين على “بدء فريقينا في المفاوضات على الفور”.
إذا كان هذا هو ما حدث، فهو انتصار كبير لنظرة بوتين للعالم.
كان الرئيس الروسي دائما ما يعتقد أن البلدان التي تقرر مصير الآخرين فقط هي التي يمكن أن تكون ذات سيادة حقيقية.
كان بوتين دائما مصمما على أن تكون روسيا واحدة من القوى العظمى، جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة والصين، المؤهلة لتقسيم بقية العالم بينها.
لهذا السبب أراد دائما التحدث إلى واشنطن، وليس كييف، حول مصير أوكرانيا. أي شيء آخر سيكون إذلالا.
ومع ذلك، فإن انتصار غرور بوتين ليس هو نفسه الانتصار في الحرب. على الأقل، لا يجب أن يكون كذلك.
وقد رسم وزير دفاع ترامب بيت هيغسيث الخطوط العريضة لرؤية الرئيس الأمريكي للسلام بعبارات صريحة خلال اجتماع، يوم الأربعاء، مع وزراء دفاع حلف “الناتو”.
وقال إن الأراضي “المحتلة” لن تعاد إلى أوكرانيا، وهو ما يعني ضمنا تجميد على طول خط التماس الحالي. ولن تحصل أوكرانيا على عضوية حلف “الناتو” ولا على ضمانات أمنية بموجب المادة الخامسة من ميثاق الحلف، ولن تشارك قوات أمريكية على الإطلاق في قوات حفظ السلام.
إنها صفقة قاتمة من شأنها أن تكافئ روسيا بالأراضي “المسروقة” وتترك أوكرانيا عرضة لهجوم ثان في السنوات القادمة.
لكن السيد هيغسيث دعا أيضا إلى ضمانات أمنية كافية لردع أي هجوم روسي آخر، معترفا بأنه لا يمكن أن يكون مثل هذا الاتفاق “مينسك-3” في إشارة إلى اتفاقيتي سلام سابقتين “استخدمتهما روسيا لإعادة تجميع صفوفها قبل الهجوم مرة أخرى”.
فإذا تم الوفاء بهذا العهد، وإذا تمسكت أوكرانيا بكييف وخاركوف وأوديسا وخيرسون ودنيبروبتروفسك، وفوق كل شيء إذا ظلت حرة وأصبحت مزدهرة، فيمكن القول إن الشعب الأوكراني قد انتصر.
نعم، بتكاليف باهظة وسلام غير كامل، ولكن على الرغم من ذلك سوف ينتصرون، وسيكون لهم مستقبل.
سوف تتمكن بريطانيا والحلفاء الآخرون الذين وقفوا إلى جانبهم منذ بدء الغزو من المطالبة بجزء من هذا النصر.
لكن هناك مشكلة واحدة، فكما أوضح السيد ترامب، وكما أوضح السيد هيغسيث بلغة يفهمها حتى الطفل، أن الولايات المتحدة ليست مهتمة بضمان أمن أوكرانيا أو أوروبا.
بالتالي فإن شكل السلام سوف يعتمد على أوروبا، وهذا يشمل بريطانيا.
يتعين إذن على السير كير ستارمر ونظرائه عبر القناة أن يقرروا ما إذا كانوا يريدون اختيار مصير قارتهم، أو السماح لموسكو وواشنطن بالقيام بذلك نيابة عنهم.
وهذا يعني استثمارا ضخما في قواتهم المسلحة وصناعاتهم الدفاعية من أجل ردع أي هجوم روسي مستقبلي، ليس فقط على أوكرانيا، بل وعلى حلف “الناتو” الأوروبي نفسه.
وهذا يعني ضرورة التضحية ببعض التنازلات واتخاذ قرارات إنفاق صعبة سياسيا، لكن الأمر قابل للتنفيذ.
تمتلك أوكرانيا أكبر جيش وأكثر الجيوش خبرة وكفاءة في أوروبا.
وإذا التزمت بريطانيا وحلفاؤها الآخرون بوعودهم، فسوف يكون بوسعهم تنظيم دفاع موثوق عن القارة من البحر الأسود إلى بحر بارنتس ومن خاركوف إلى مقاطعة كيري (وسيعتمد حياد إيرلندا أيضا على فعالية الردع الأوروبي في حالة الانسحاب الأمريكي).
ربما يبدو البديل على هذا النحو:
إن بوتين سيعود لأوكرانيا في غضون بضع سنوات، ويستولي على خاركوف وكييف. ثم يغزو دولة عضو في حلف “الناتو”، مطمئنا إلى أن الحلف لن يفي بخطابه عن الدفاع الجماعي.
ومن المرجح أن يثبت صحة كلامه.
بعد ذلك، ستعيش بريطانيا وأوروبا فيما يحلو للدبلوماسيين الروس أن يطلقوا عليه “هندسة أمنية أوروبية جديدة”.
وسيكون هذا هو المكان الذي ستسود فيه رؤية بوتين القائلة بأن القوي يقسم الضعيف.
ولا يوجد أي مبرر للمفاجأة هنا.
لقد كان خطاب السيد ترامب متسقا. لقد بدأ تحول التركيز الأمريكي نحو المحيط الهادئ في عهد باراك أوباما. ونفاد الصبر الأمريكي إزاء الاستغلال الأوروبي يسبق ترامب نفسه.
الآن، تفاقم الانزعاج الأمريكي بسبب التقارب بين واشنطن وموسكو. فقد قال ترامب إنه وبوتين اتفقا على زيارة كل منهما لبلد الآخر.
وأصبح حاجز “الحجر الصحي” الذي فرضته الدول الغربية حول موسكو، في محاولة لعزل الرئيس الروسي، مفتوحا على مصراعيه.
كانت الوحدة الخارجية، حتى الآن، واحدة من أعظم نقاط القوة التي يتمتع بها حلف “الناتو”. فقبل أقل من ساعة من خطاب هيغسيث أمام مجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية، التي تضم أثر من 50 حليفا ينسقون المساعدات المقدمة إلى كييف، وجه مارك روته، الأمين العام لحلف “الناتو”، تحذيرا علنيا بشأن التفاوض مع بوتين.
وقال روته في مؤتمر صحفي: “يمكننا بسهولة أن نفكر في أفضل طريقة للمضي قدما.. لكن، دعونا لا نجعله أكثر حكمة مما هو عليه بالفعل”.
مع ذلك، فإن البعض في حلف “الناتو” سيرحبون بالاعترافات التي أدلى بها السيد هيغسيث بشأن أوكرانيا.
وقد أعرب الدبلوماسيون الألمان منذ فترة طويلة عن شكوكهم بشأن إمكانية استعادة أوكرانيا لكل أراضيها، ناهيك عن حكمة انضمامها إلى حلف “الناتو”.
ولم يتفاجأ فلاديمير زيلينسكي، حيث أشار يوم أمس إلى أنه يخشى أن يتم استبعاده من المداولات الأمريكية الروسية.
لكن الحرب لم تنته بعد، والسيد زيلينسكي هو رجل دولة قادر وذو دوافع عالية، وسوف يستغل كل فرصة للفوز بأفضل صفقة ممكنة لأوكرانيا.
لا يزال هناك الكثير مما يجب اللعب عليه، والقواعد القاسية والحتمية للحرب تعني أن القتال على الجبهة سوف يشتد مع اقتراب وقف إطلاق النار.
في الوقت نفسه، يتعين على بريطانيا وأوروبا أن تسألا نفسيهما ما إذا كانتا ترغبان أن تكونا “طاولة المفاوضات”، أم “على قائمة الطعام”.
حان الوقت لاتخاذ القرار.
المصدر: التلغراف
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
إقرأ المزيد
ترامب يخسر معركته الأولى.. ضد الوقت
لقد بلغ عجز ميزانية الحكومة الأمريكية، يناير الماضي، 128.64 مليار دولار، وهو ما يمثل ارتفاعا بنحو ستة أضعاف مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي (21.93 مليار دولار).