إن الرواية الرسمية الغربية عن حرب إسرائيل على غزة، بغض النظر عن مدى فساد الفظائع، أو الأدلة الساحقة، أو الاعتراف بالجريمة، تدل على أن الحصن لن ينهار. والواقع أنه حتى عندما تهين إسرائيل بشكل صارخ راعيتها الرئيسية، الولايات المتحدة، كما فعلت هذا الأسبوع، فإن لا شيء يتغير.
وتبدأ القضية هنا برسالة أرسلتها الولايات المتحدة إلى إسرائيل الشهر الماضي، والتي حددت بالتفصيل كيف تم منع المساعدات المنقذة للحياة بشكل منهجي من دخول غزة وهددت باتخاذ إجراءات غير محددة إذا لم يتم اتخاذ مطالب محددة لعكس الحصار في غضون 30 يوما.
وكما اقترح السيناتور الديمقراطي كريس فان هولن، كانت الرسالة خدعة سياسية لجذب الناخبين في الفترة التي سبقت الانتخابات (نظرا لأن معظم الناخبين الديمقراطيين يعتقدون بشكل صحيح أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية).
ولكن ماذا حدث؟ على الرغم من أن تحالفا من وكالات الإغاثة خلص إلى أن إسرائيل “فشلت في تلبية أي من المعايير المحددة المنصوص عليها في الرسالة الأمريكية”، بل إنها “اتخذت إجراءات أدت إلى تفاقم الوضع على الأرض بشكل كبير”، وقدمت سجلا تفصيليا يوضح عدم امتثال إسرائيل الساحق للمطالب الأميركية المفترضة، فقد مر الموعد النهائي في 12 نوفمبر ولم تفعل الولايات المتحدة شيئا. “الولايات المتحدة تقول إن سياستها لن تترتب عليها عواقب على إسرائيل على الرغم من افتقارها إلى المساعدات المقدمة إلى غزة”، كما جاء في عنوان موجز في صحيفة واشنطن بوست.
إن الرواية السائدة اليوم في دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا هي أن إسرائيل ديمقراطية على الطراز الغربي ولها “الحق في الدفاع عن نفسها” ضد الإرهاب، مع مناقشة جانبية مسموح بها حول ما إذا كان الرد “متناسبا”. وسوف ينغمس الساسة في بعض الالتفاتات المبتذلة حول معاناة المدنيين، ويشيرون إلى الحاجة إلى الالتزام بالقانون الدولي، دون تحديد أي من الانتهاكات الفادحة المتفشية.
لا علاقة لهذه الرواية بالحقائق، التي أشارت إلى واحدة من أعظم الجرائم في عصرنا منذ وعد القادة والمسؤولون الإسرائيليون بحرمان “الحيوانات البشرية” من ضروريات الحياة، وفرض العقوبات الجماعية، وإزالة “جميع القيود” على الجنود والتسبب في “أقصى قدر من الضرر” لغزة.
وقبل شهرين، تم الكشف عن أن كل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومكتب اللاجئين التابع لوزارة الخارجية قد خلصا بحلول شهر أبريل إلى أن إسرائيل كانت تتعمد حجب المساعدات عن غزة. ووفقا للقانون الأمريكي، فإن هذا يستلزم فرض حظر على الأسلحة على إسرائيل، لكن إدارة بايدن تجاهلت ببساطة تقييمهم.
يبدو أن إسرائيل قادرة على فعل أي شيء دون سقوط القلعة. ويمكنها أن تتجاهل بأمان دموع الطبيب البريطاني نظام محمود أمس عندما أخبر أعضاء البرلمان أن الأطفال الفلسطينيين يتعرضون لإطلاق النار على رؤوسهم عمدا من قبل القناصة والطائرات بدون طيار الإسرائيلية، وهي شهادة أكدها العشرات من المتخصصين الطبيين المقيمين في الولايات المتحدة والذين خدموا في غزة. وعمل محمود في رواندا أثناء الإبادة الجماعية، لكنه أعلن أنه لم يشهد قط أي رعب يشبه ما يحدث غزة.
ولكن هذه الرواية تصمد أمام تصريحات أكبر مسؤول إنساني في الأمم المتحدة، جويس ميسويا، التي تقول: “إن سكان شمال غزة بالكامل معرضون لخطر الموت”. وتصمد الرواية دون أدنى شك عندما يعلن المتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي أن الناجين النازحين بالقوة لن يُسمح لهم بالعودة إلى هناك. بل إن صحيفة هآرتس الإسرائيلية ذكرت في افتتاحيتها أن “الجيش الإسرائيلي ينفذ عملية تطهير عرقي في شمال قطاع غزة”، ولكن الكارتل الفعلي من وسائل الإعلام والسياسيين الغربيين يحجب الحقيقة البشعة.
لا شيء يؤثر على إسرائيل؛ لا تحليل الأمم المتحدة الذي وجد أن 70% من الوفيات العنيفة المؤكدة في غزة هي من النساء والأطفال، ولا 710 أطفال رضع قتلوا على يد الجيش الإسرائيلي في غزة بحلول سبتمبر هذا العام. ولا إسرائيل التي قضت على ما لا يقل عن 902 أسرة بأكملها بحلول الشهر الماضي، مع محو خطوط الحياة بالكامل، من الرضع الذين لم يتجاوزوا بضعة أيام من العمر إلى الجدات، إلى الأبد من السجل المدني.
إن إسرائيل دولة ترتكب حمام دم إبادة جماعية لا يشمل القنابل والرصاص فحسب، بل وأيضا التعذيب والعنف الجنسي المزعوم. وسوف يُخزى أولئك الذين دافعوا عن هذه الفظاعة أو قللوا من شأنها علنا، وسوف يواجه أولئك الذين سهّلوا ارتكابها الاعتقال. ولو لم تكن إسرائيل هي المدانة لكانت هناك جوقة صاخبة من ساستنا ووسائل إعلامنا وشخصياتنا العامة قبل أشهر عديدة، تطالب بشيء، أي شيء، لإنهاء هذه المأساة.
ولكن مهما واجه أهل غزة من صعوبات، فإن الرواية هي السائدة، والعالم الغربي يصفق لإسرائيل!
المصدر: The Guardian
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب