يلين توجه للصين إنذارا نهائيا


خلال زيارة وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين إلى الصين، والتي تنتهي اليوم الاثنين، كانت قضية “القدرة الإنتاجية الفائضة” على رأس أولوية المحادثات.

إنها المرة الأولى التي يحدد فيها الأمريكيون المشكلة العالمية الرئيسية حقا خلال العقدين الماضيين والعقد المقبل أيضا. لم يحالفنا جميعا الحظ بأن نعيش في وقت تتزامن فيه عدة أزمات، إلا أنه، وعلى المدى القصير والمتوسط، فإن أكثر هذه الأزمات إيلاما هي أزمة فائض الإنتاج العالمية. هناك بالفعل طاقة إنتاجية فائضة حول العالم، وقد نشأ هذا الفائض، وتعززت استدامته من خلال الطلب الناتج عن القروض، لكن الهرم الائتماني ينهار الآن، والطلب المصطنع يختفي، ويجب أن تموت الصناعة الفائضة في العالم.

إقرأ المزيد

والخلاف حول من يجب أن تموت صناعته هو السبب الرئيسي للصدام بين الصين والولايات المتحدة. وبينما يتأخر حل هذه القضية، فإن الولايات المتحدة والصين تلتهمان الصناعة الأوروبية ببطء، لكن آسيا والصين تنموان بسرعة كبيرة، وسوف تستحوذان على الحصة الأوروبية قريبا، إلا أن هذا أيضا لن يكون كافيا لتجنب الصدام بين الدولتين اللتان يمثلان مركزين اقتصاديين رئيسيين.

وأثناء زيارة يلين، أثارت الولايات المتحدة، بوقاحة، القضية مع الصين، إذ يتعين على الأخيرة أن تتخلى طوعا عن حصتها في السوق (وهو ما من شأنه أن يدفع على الفور نحو أزمة اقتصادية وسياسية داخلية في الصين). وكانت الصين لا تزال تحافظ على دور اللاعب المسالم، وكانت راضية عن التوسع الاقتصادي السلمي وغير الملحوظ، وتفضل ترك كل شيء كما هو حتى تنهار الولايات المتحدة نفسها من الداخل نتيجة للهزيمة الاقتصادية، ليعترف العالم كله بعد ذلك بالصين زعيما بلا منازع، وبلا طلقة واحدة من جانبها.

لن تسير الأمور على هذا النحو. فالأنغلوساكسونيين حضارة قراصنة، حضارة مفترسة حقا، قامت هيمنتها على السيف والنار والسرقة، ولن يغادروا بسلام إلى العالم الآخر.

وكل الحديث حول الصدام بين الديمقراطية والاستبداد ليس سوى غطاء دعائي. أما القضية الحقيقية، وجوهر هذه اللحظة، هو التدافع على الأسواق. وهو نفس السبب الذي أدى إلى الحربين العالميتين السابقتين. وحقيقة أن الولايات المتحدة قد كشفت أخيرا عن هذه المشكلة تشير إلى انه لم يعد هناك أي وقت أو فرصة لتأجيلها.

وزيارة يلين للصين هي تقريبا نفس الزيارة التي قام بها رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز إلى موسكو في أوائل نوفمبر 2021، قبل شهر واحد من إصدار روسيا إنذارها الأخير للولايات المتحدة وحلف “الناتو”، مرفقا بطلب نقل حدود “الناتو” بعيدا عن حدود روسيا. وهو الإنذار الذي تجاهلته الولايات المتحدة و”الناتو”، وبعدها بثلاثة أشهر اندلعت الحرب في أوكرانيا. وعليه، كان بيرنز قد وجه إنذارا نهائيا يطالب فيه روسيا بقبول الهزيمة والموافقة على توسع “الناتو” في أوكرانيا.

إن لدى الصين أسلوبها وقدراتها الخاصة، وأعتقد أنها سوف تحاول تجنب الصراع حتى النهاية، في محاولة لتليين الموقف الأمريكي بتقديم تنازلات صغيرة. في هذه الحالة، ستكون المبادرة دائما إلى جانب الأنغلوساكسونيين، الذين قد لا يبدؤون الصراع بمشاركتهم المباشرة، لكنهم، وبالتأكيد، سيشنون هجوما بأنفسهم و/أو بالوكالة. وبطريقة أو بأخرى سيتم إثارة الصراع، في رأيي المتواضع، نهاية عام 2024 أو في عام 2025.

إقرأ المزيد

بطبيعة الحال، فإن الحرب التي طال أمدها في أوكرانيا، والصراع المشتعل في الشرق الأوسط يعرقلان حركة الولايات المتحدة إلى حد كبير. ومع ذلك، وفي المرحلة الأولى، من غير المرجح أن تتجاوز الإجراءات ضد الصين حد العقوبات، بالتالي فإن وجود صراعات أخرى غير مكتملة لن يمنع بداية تصعيد المواجهة بين الغرب والصين.

ومع ذلك، لا يزال بإمكان نتنياهو أن يحدث مفاجأة بإثارته حربا واسعة النطاق مع إيران، والتي من المرجح أن تضطر الولايات المتحدة إلى التورط فيها، ما قد يؤدي إلى إبطاء تطور الصراع مع الصين. من هنا، بالمناسبة، يمكن استنتاج أن إسرائيل لم يتبق لها سوى القليل من الوقت للتصعيد. فبعد بدء الصراع المفتوح بين الولايات المتحدة والصين، سيتعين على إسرائيل محاربة إيران وحدها (وهو الأمر الأكثر خطورة على العالم، نظرا لأن إسرائيل تمتلك سلاحا نوويا).

تتحول أوكرانيا في هذا المشهد بالنسبة للولايات المتحدة نحو الهامش بسرعة متزايدة، ومع ذلك، فإن الأوروبيين يبدون استعدادا لاستكمال عملية تدمير أوروبا بمفردهم، ما يمنح الولايات المتحدة الفرصة للتركيز على الصين.

نظريا، قد يحاول بايدن اللعب بالورقة الصينية في الانتخابات، ثم سنرى الخطوات الأولى على سلم التصعيد في الصيف المقبل. بالمقابل، فإذا، أو لنقول حينما يفوز ترامب فسنشهد تصعيدا سريعا للصراع في عام 2025. لأن قضية الحرب مع الصين، إضافة إلى أهمية تلك القضية بالنسبة للولايات المتحدة، يمكن أن يستخدمها ترامب لتوحيد الأمة، ومحاولة تجنب الحرب الأهلية.

وليس لدي أي شك في أن بكين سترفض مطالب وزيرة الخزانة الأمريكية يلين، حتى لو تم تخفيف هذا الرفض من خلال تنازلات بسيطة. نحن بحاجة الآن إلى مراقبة تصريحات يلين وكبار المسؤولين الأمريكيين في الأسابيع المقبلة، وسوف تخبرنا لهجتهم بمدى السرعة التي سيبدأ بها الصراع الأمريكي مع الصين في التصاعد.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

رابط قناة “تليغرام” الخاصة بالكاتب

 

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب



(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});

Source link
Comments (0)
Add Comment