إن رد “حزب الله” الذي كان نتنياهو يأمل فيه لن يحدث، ولن يكون هناك هجوم واسع النطاق على البنية التحتية الإسرائيلية بآلاف الصواريخ، والذي من شأنه أن يؤدي إلى كارثة إنسانية في البلاد ويسمح لنتنياهو بالتحول إلى الأسلحة النووية أو إجبار الولايات المتحدة على خوض الحرب دفاعا عن إسرائيل.
إن رد فعل “حزب الله” المنضبط للغاية على الاستفزازات الإسرائيلية واسعة النطاق بقصفها أجهزة الاستدعاء “البيجر” وقتل أعضاء قيادة الحزب يشير إلى أن قيادة إيران و”حزب الله” تتفهمان الوضع وتلتزمان بشدة بتكتيكات الصبر الاستراتيجي، وهو ما يعني أنه مهما فعلت إسرائيل، فإن هذا الخط لن يتغير في الأشهر المقبلة، وحتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية على أقل تقدير.
يصعب عليّ أن أتخيل ما يمكن أن يفعله نتنياهو في لبنان لإجبار “حزب الله” على تغيير مساره وتنفيذ مخططاته، سوى احتمال اغتيال الشيخ حسن نصر الله مثلا، والذي يمكن أن يكون الشيء الوحيد الذي قد ينظر إليه الرأي العام الغربي على نحو إيجابي. إلا أن “حزب الله” لا يرد على مثل هذه التصرفات الآن. في الوقت نفسه، فإن قصف لبنان واسع النطاق أو الغزو البري الإسرائيلي للبلاد، أولا، سيجعل من “حزب الله” ضحية، وثانيا، سيكون عملية طويلة جدا بنتائج غير واضحة، بينما يحتاج نتنياهو إلى استغلال الوقت قبل الانتخابات الأمريكية.
أولا، يود نتنياهو أن يرى ترامب رئيسا، فالحرب الكبرى في الشرق الأوسط تضر بفرص هاريس. ثانيا، ترامب عدواني بالكلمات فقط، وتورطه في حرب الشرق الأوسط يجب أن يكون موروثا من الإدارة السابقة. وثالثا، ينطبق هذا بشكل أكبر على كامالا هاريس إذا تم انتخابها، لأنها تعتمد على الناخبين الملونين المؤيدين للفلسطينيين، وقد لا تدعم إسرائيل. رابعا، إسرائيل تخسر حرب الاستنزاف، وهو أحد الأسباب الرئيسية لتصعيد نتنياهو واحتفاظ محور المقاومة بالصبر الاستراتيجي.
خلاصة الأمر أن نتنياهو يريد توريط الولايات المتحدة في الحرب، ولهذا يجب على إسرائيل أن تخسر المرحلة الأولى من الحرب أمام “حزب الله” بنتائج كارثية. ولكي ينتصر “حزب الله” يكفي أن يستمر كل شيء كما هو، وربما يضيف هجمات من حين لآخر على الموانئ والسفن الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط، لكن حتى لا يبدو الأمر وكأنه هجوم واسع النطاق. أي القيام بما يفعله الحوثيون، وهي نوعية الحرب الأكثر فعالية لمحور المقاومة. على العكس من ذلك، فإن رد فعل “حزب الله” واسع النطاق قد يؤدي إلى الهزيمة.
لذلك أعتقد أنه لن يكون هناك غزو بري إسرائيلي للبنان. أو بالأحرى فإن كل شيء ممكن إلا أن هذا الإجراء يتناقض مع منطق الخطة التي أنسبها لنتنياهو. الغزو يمكن أن يحدث فقط كبادرة يأس أخيرة إذا انهارت جميع خططه.
لكن نتنياهو رجل مثابر، وأعتقد أنه بعد اقتناعه بأن “حزب الله” لا يرد على هجماته، سيقوم باستفزازات جديدة ضد إيران نفسها، ويجب أن تتجاوز كل ما رأيناه من قبل. ربما سيكون ذلك بهجوم سيبراني شامل، من شأنه أن يشلّ اقتصاد البلاد، ربما اغتيال آخر للرئيس، وربما هجوم مجهول على محطة بوشهر للطاقة النووية. لا أستبعد أي شيء، وفي هذه الحالة سيتم تجميد العملية في لبنان، كما تم تجميد العملية الراهنة في غزة.
الخيار الثاني المحتمل المتبقي أمام نتنياهو هو الإبادة الجماعية الصريحة للفلسطينيين، قتل عشرات وربما مئات الآلاف من الأشخاص في فترة زمنية قصيرة، أسابيع ربما، بما في ذلك بالضفة الغربية.
لكن هذا خيار محفوف بالمخاطر، وهو ما من شأنه أن يخلق انقساما في الحزب الديمقراطي الأمريكي، وربما يغرق كامالا هاريس، لكن التكاليف في نظر الرأي العام العالمي كبيرة جدا، والاحتمال هو أن إيران ومحور المقاومة لن يردوا بقوة أكبر مما سبق أن ردوا عليه في غزة.
باختصار، أسبوع آخر من عدم الرد من جانب “حزب الله” ويصبح نتنياهو في موقف الفأر المحشور في الركن، وكما هو معروف فالفأر حينها سيحاول بكل ما أوتي من طاقة فعل أي شيء.
وأعتقد أنه حتى من دون انتظار أسبوع، يمكننا التأكد من أنه لن يكون هناك رد فعل قوي من “حزب الله”، فمحور المقاومة متمسك بقوة بالصبر الاستراتيجي، مثل روسيا. ربما سيتغير الوضع بعد الانتخابات الأمريكية، لكنني لست مستعدا لضمان ذلك.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة “تلغرام” الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب