وقال هوشتاين إن واشنطن لا تعتقد أن الصراع الأوسع في لبنان سيحقق هدف إعادة النازحين الإسرائيليين إلى منازلهم شمالي البلاد.
فيما يبدو أن هوشتاين هو شخص ساذج، فهدف نتنياهو ليس كسب الحرب مع “حزب الله”، وإنما خسارتها.
لقد أصبحت خطة إسرائيل واضحة بالنسبة لي مباشرة بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، لأنه كان من الواضح تماما أن إسرائيل لم تكن لتسمح بمثل هذه الغارة لو لم تكن تخطط لاستغلال نتائجها. فصدمة بهذا الحجم جعلت من الممكن تبرير الهدف الأقصى: “الحل النهائي للقضية الفلسطينية”. علاوة على ذلك، كان من البديهي أن يتم تدمير البنية التحتية في غزة والانتقال التدريجي إلى الضفة الغربية بهدف طرد جميع الفلسطينيين، إلا أن بسالة سكان غزة ومقاومة جيران إسرائيل العرب أوقفت هذا الجزء من العملية، ولكن إلى حين، حيث من المؤكد أنها ستستمر فيما بعد.
وأصف هذا الجزء بالتفصيل فقط لأن الجزء الثاني من الخطة الإسرائيلية سوف يمشي على نفس النمط، ويتطلب صدمة مماثلة، ولكن هذه المرة، على مستوى أعلى ومع عدو مختلف هو إيران، التي يشكل تحييدها الهدف الاستراتيجي الثاني لإسرائيل.
ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بطريقتين: استخدام الأسلحة النووية ضد إيران، ما سيؤدي إلى رد فعل سلبي للغاية من جانب البشرية وعواقب أخرى ربما تكون قاتلة لإسرائيل نفسها، أو أن تضطر الولايات المتحدة إلى محاربة إيران بكل قوتها العسكرية.
ولإجبار واشنطن على الاختيار بين هذين الخيارين، يجب أن تتعرض إسرائيل لأضرار بالغة، وأن تكون على وشك الهزيمة العسكرية، ولا يتعلق ذلك بشمال البلاد فحسب، بل بكل إسرائيل، التي يجب أن تتعرض لهجمات صاروخية ضخمة من “حزب الله”، بما في ذلك محطات الطاقة والموانئ ومصافي النفط وغيرها من الأهداف التي يجب أن تتعرض، على أقل تقدير، لأضرار جسيمة وتتوقف عن العمل. علاوة على ذلك، يفضل أن تدخل قوات محور المقاومة (وليس “حزب الله” وحده”) إلى الأراضي الإسرائيلية.
في هذه المرحلة، سيصدر نتنياهو إنذاره النهائي لواشنطن: إما أن تدخل الولايات المتحدة الحرب، أو تستخدم إسرائيل الأسلحة النووية، وليس فقط ضد “حزب الله”.
ولكن، وفي إطار هذا المخطط يتعيّن على عدو إسرائيل أن يتصرف هو الآخر وفقا لذلك: أن يقاتل بجدية، وأن يلحق بإسرائيل أكبر قدر ممكن من الضرر، وأن يشنّ هجوما بريا. ولهذا السبب، يجب أن تكون الاستفزازات الإسرائيلية فعالة قدر الإمكان، أي أن تضرب المكان الأكثر إيلاما، حتى لا يستطيع “حزب الله” وإيران وحلفاؤهما التهرب من حتمية الرد الأقصى.
ولنا أن نتخيل هنا أقصى قدر من الاستفزاز، يمكن تنفيذه في المستقبل القريب، فيما يخص معارضي إسرائيل: محاولة اغتيال الشيخ حسن نصر الله، رئيسي سوريا وإيران، أو قادة آخرين في محور المقاومة، هجمات إرهابية على منشآت نووية أو استراتيجية إيرانية أخرى. ولا أزعم أن كل هذا سيتحقق، ولكني لا استبعد إمكانية حدوث أي من النقاط المذكورة أعلاه، لأنها الحرب الأخيرة لإسرائيل.
يذكرنا هذا الوضع بالحرب الأمريكية الروسية في أوكرانيا. فزيلينسكي ونتنياهو في هذا السياق شقيقان توأمان، لكنهما، وفي الوقت نفسه، متنافسان أيضا، حيث سيكون لدى واحد منهما فقط فرصة سانحة لإشراك الولايات المتحدة في حروبهما، بل إن حربا واحدة كهذه قد تكون فوق طاقة الولايات المتحدة، وستعني خسارتها أمام الصين، ناهيك عن حربين.
وسيسافر زيلينسكي إلى الولايات المتحدة للقاء بايدن حاملا معه ما يسمى “خطة النصر” التي تتضمن توجيه ضربات واسعة النطاق ضد روسيا بصواريخ غربية بعيدة المدى، وهو ما صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه سيكون بمثابة مشاركة مباشرة لدول “الناتو” في الحرب، حيث أن متخصصي “الناتو” وحدهم من يمكنهم تحميل الأهداف في برامج الصواريخ، ولا يمكن سوى لأقمار “الناتو” الصناعية فقط توجيه هذه الصواريخ بعد انطلاقها.
وقد صرحت الولايات المتحدة بأنها لن “تسمح” لأوكرانيا باستخدام الصواريخ بعيدة المدى، لكنها لا تعترض إذا قام بذلك حلفاؤها، لا سيما بريطانيا. ويبدو من ذلك أن واشنطن تتوقع أنه إذا ردت روسيا، فسيكون ردها ضد بريطانيا، ما يترك الولايات المتحدة خارج الصراع. لكن بريطانيا، بدورها، تتصرف هي الأخرى مثل نتنياهو الصغير، ويحدوها أمل ألا تواجه روسيا بمفردها، بل أن تبدأ حرب كبيرة ضد روسيا بمشاركة “الناتو”. أي أن الوضع حول الصواريخ طويلة المدى، وبمجرد أن يبدأ، سوف يتصاعد بسرعة.
ومن المتوقع أن يتم استخدام الصواريخ بعيدة المدى في نهاية سبتمبر، بعد خطاب زيلينسكي في الجمعية العامة للأمم المتحدة ولقائه مع بايدن. ومن غير المعروف ما إذا كان تحذير بوتين سيوقف أوكرانيا وبريطانيا، إلا أنني أعتقد أنه من غير المرجح، لأنه بدون حرب عالمية سيسقط الغرب نفسه بكل تأكيد، لكن الحرب، على أقل تقدير، ستمنحه الفرصة لجرّ العدو معه أيضا نحو الهاوية.
بطريقة أو بأخرى، يواجه نتنياهو مهمة بدء حرب مع “حزب الله” قبل أن يشنّ زيلينسكي ولندن هجماتهما الصاروخية على موسكو. قد أكون مخطئا، ولكنني أعتقد أن الأحداث في الشرق الأوسط سوف تتسارع بشكل كبير قريبا.
وبناء عليه يصبح السؤال المطروح الآن فيما يخص “حزب الله” وإيران: هل يتصرفان بروح شرق أوسطية بالرد بقوة أكبر من الضربة الموجهة إليهما، أم أنهما سيتحليان بضبط النفس، ويتمسكان، مثل بوتين، بالصبر الاستراتيجي، بكل ما يحمله ذلك من مخاطر تشوه السمعة؟
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة “تلغرام” الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب