هل ننتظر تصعيدا أعقاب “إنذار” بوتين الأخير؟


قال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش إنه لم يتبق سوى ثلاثة إلى أربعة أشهر قبل الحرب العالمية، وانه يسيطر على مخزون البلاد من السلع الاستراتيجية، بما في ذلك السكر والملح.

تعكس هذه الكلمات الأجواء التي تعيشها أوروبا نتيجة تصعيد التصريحات، بدءا من وعود إيمانويل ماكرون بإرسال قوات إلى أوكرانيا، وصولا إلى توضيحات فلاديمير بوتين الأخيرة بشأن الشروط الضرورية لتسوية الأزمة الأوكرانية.

إقرأ المزيد

وكما هو معلوم، فإن هذه الشروط تشمل رفع العقوبات الغربية، ونقل أوكرانيا إلى روسيا أجزاء من المناطق الأربع المنضمة حديثا إلى روسيا، والتي لا زالت أجزاء منها لا تزال تحت سيطرة أوكرانيا، والتزامها وضع الحياد، وعدد من الشروط الأخرى. ومن الواضح للجميع أن هذه الشروط لن تقبل، على الأقل في الوقت الراهن، في حين أن كلمات بوتين بأن المسؤولية عن المزيد من إراقة الدماء في تلك الحالة ستقع على عاتق الجانب الأوكراني يُنظر إليها من الغرب بأنها تهديد ومقدمة لتكثيف روسيا لعملياتها العسكرية.

لا أميل إلى اعتبار تصريحات بوتين بمثابة إنذار نهائي، أو تهديد، أو علامة على بداية وشيكة لهجوم جديد. لكن هذا لا يجعل مخاوف الرئيس الصربي أقل وجاهة.

بصراحة، لا أرى أسبابا كافية لظهور بيان بوتين الآن، لكن هناك سببان ونصف محتملان لذلك، لكن جميعها ليست واضحة تماما.

نظريا، يمكن اعتبار إعلان هذه الشروط من جانب بوتين بمثابة خطوة وقائية قبل ما سمي بـ “قمة السلام”، التي بادرت إليها أوكرانيا بهدف الموافقة على الشروط الأوكرانية للتسوية من قبل أكبر عدد ممكن من الدول. وتشمل الشروط الأوكرانية المطالبة بالعودة إلى حدود عام 1991 (أي بما في ذلك شبه جزيرة القرم)، وتعويضات ضخمة لأوكرانيا، وما إلى ذلك، منتهى السخف. لذا قد ينظر المرء إلى تصريح بوتين باعتباره ردا استباقيا على نتائج هذه القمة، إلا أن هذه القمة فشلت حتى قبل أن تبدأ. حيث تجاهلها بايدن، وتقلصت مطالب أوكرانيا في البداية إلى أن تكون بلا أسنان نسبيا، وبعد ذلك حتى ما بقي لم يعد يحظى بدعم إلا من الدول الغربية، في حين أن بقية الدول إما لم تشارك، أو اقتصرت على دور المراقب، وهو ما يعني أنه لم يكن هناك ما يمكن الرد عليه من قبل بوتين بالأساس، ولم تكن هناك حاجة لذلك، ولم يكن هناك ضغط قوي على روسيا.

إقرأ المزيد

من الممكن نظريا أيضا افتراض أن تصريح بوتين كان بمثابة نقطة في سلسلة من الاتصالات والمفاوضات الخفية عن أعين الجمهور. حيث زار زيلينسكي، عشية “قمة السلام”، المملكة العربية السعودية، التي تلعب دور الوسيط في الصراع الأوكراني بنجاح، ويبدو أنه أظهر عنادا، ووصلت المفاوضات إلى طريق مسدود حتى “غسل بوتين يديه منها”، وبذا حمّل أوكرانيا علنا المسؤولية عن استمرار إراقة الدماء، وهو ما لا يعني، مع ذلك، أن روسيا ستبذل جهودا لتكثيف إراقة تلك الدماء.

أما التفسير الثالث، والأكثر إثارة للقلق، فهو أن صراعا بين الغرب وروسيا يجري الآن حول من سيبدأ الجولة التالية من التصعيد. أو بالأحرى من سينجح في التهرب من المسؤولية عن خطوة قد تنتهي باستخدام الأسلحة النووية، والتي ستؤثر بطريقة أو بأخرى على الكوكب بأكمله.

يدور الآن صراع من أجل الحصول على دعم “الجنوب العالمي” والشرق العالمي وأجزاء أخرى من العالم، أو كل ما هو خارج نطاق “المليار الذهبي”. وبطبيعة الحال يشكل موقف الصين أهمية بالغة، نظرا للدور الذي تلعبه في الأداء الطبيعي للاقتصاد الروسي.

وقد زار بوتين بكين مؤخرا، والتي من الواضح أنها ترغب في ترك كل شيء على ما هو عليه، وتقاوم بكل الطرق فكرة ضرورة النضال من أجل قيادة العالم، ولا تستوعب أن النمو الاقتصادي للبلاد وحده لن يجلب لها هذه القيادة. وسابقة استخدام الأسلحة النووية هي الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للصين، لأنها ليست قوة عظمى في هذا المجال، ويمكن للولايات المتحدة أن تدمرها دون إمكانية الانتقام المناسب. ولعل تصريح بوتين هو استمرار للمفاوضات التي جرت في الصين.

وفي هذا السياق يتعين علينا أن ننظر إلى الحوار الذي دار بين فلاديمير بوتين وألكسندر كاراغانوف في المنتدى الاقتصادي الدولي ببطرسبورغ، والذي أظهر خلاله بوتين نفسه ضمن جناح “الحمائم” المتطرفة، رافضا أيا من مقترحات كاراغانوف بشأن التصعيد النووي.

ومع ذلك، فإن بيان بوتين الأخير بشأن شروط السلام ليس مسالما إلى هذا الحد، لكنه، وفقا لما أراه، لا يخلو من مسحة قدرية.

كما لا يمكن القول إن الجبهة في أوكرانيا تتحرك بقوة، وأن روسيا تقترب من تحقيق نصر عسكري، ما سيجبر دول “الناتو” على إرسال قوات إلى أوكرانيا في الأشهر المقبلة. في الوقت نفسه، سيكون لدى أوكرانيا قريبا طائرات غربية، ووفقا للمسؤولين الأوكرانيين، سوف يتمركز بعضها في مطارات دول “الناتو” بأوروبا الشرقية. وقد قالت روسيا مرارا وتكرارا إن بإمكان طائرات “إف-16” حمل أسلحة نووية، وإن مهاجمة موسكو بصواريخ بعيدة المدى، على سبيل المثال، يمكن أن تعتبر محاولة لضربة رأس نووية استباقية من أجل تدمير قيادة روسيا. وتمثل هذه الهجمات على وجه التحديد مصدرا رئيسيا لقلق موسكو، التي تقدمت بإنذار نهائي للولايات المتحدة وحلف “الناتو”، في ديسمبر 2021، وحينها بدأت الحرب في أوكرانيا.

إقرأ المزيد

وهذا يعني أن نقل طائرات “إف-16” إلى أوكرانيا مع وجود بعضها في مطارات “الناتو” يمكن أن يسمى بسهولة “قمة الاستفزازات”، ويمثل فرصة حقيقية لاستثارة ضربة روسية، إن لم يكن نووية، فعلى الأقل بالأسلحة التقليدية ضد هذه المطارات. وبطبيعة الحال، يمكن أن تكون لها تداعيات، بما في ذلك تلك التي يتوقعها الرئيس الصربي.

في رأيي المتواضع، يكفي أن تحافظ روسيا حتى نهاية العام الحالي على تقدم طفيف على الجبهة، الأمر الذي سيخلق لهجة وخلفية في وسائل الإعلام العالمية غير مواتية لإدارة بايدن. فالعمليات الهجومية الكبيرة، كما قال بوتين، سوف تكلف الكثير من الدماء، وبالتالي فهي غير مرغوب فيها. وقد ضمنت أوكرانيا بالفعل شتاء صعبا للغاية، قد يصبح كارثيا إذا واصلت القوات الروسية هجماتها على البنية التحتية للطاقة. إضافة إلى ذلك، لا يمكن حرمان الأمريكيين من فرصة بدء حرب أهلية لديهم بهدوء، دون أحداث خارجية قد تحشد الأمة.

أي أنه لا حاجة لروسيا، فيما أظن، للتعجل. فهي قادرة على ضبط النفس على الأقل حتى نهاية شتاء 2025، حتى تتضح خطط وقدرات الرئيس الأمريكي المقبل، أيا كان من سيشغل المنصب.

لكن ربما يكون لدى بوتين معلومات تفيد بأن “قمة الاستفزازات” للغرب أمر لا مفر منه، وستحدث قريبا. ولن يكون أمامه حينها سوى القول: “يا قوم، ها أنا فعلت كل ما بوسعي، لكن المسؤولية عن إراقة المزيد من الدماء الآن تقع على الجانب الآخر”.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

رابط قناة “تليغرام” الخاصة بالكاتب

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب



(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
Comments (0)
Add Comment