نصر الله – الزعيم الذي يصعب تعويضه


لقد التقيت بنصر الله في أكتوبر 2003 في مخبأ محصن في الضاحية الجنوبية لبيروت، على مقربة من المكان الذي قتل فيه. وعلى الرغم من أنه كان رجلا أصدر الأوامر بقتل العديد من الإسرائيليين واللبنانيين، إلا أنه كان هادئ الحديث إلى حد مدهش. وكان ساحرا، وليس صاخبا؛ وكانت شرعيته مستمدة من دراسته الدينية في النجف بالعراق، وخطبه المشوقة التي كانت تبث على شاشات التلفزيون خلال شهر محرم وغيره من الأعياد الدينية.

في لبنان، حيث يعيش الزعماء السياسيون عادة حياة مترفة، كان نصر الله مختلفا. فقد أخبرني بفخر أن ابنه هادي مات وهو يقاتل إسرائيل في عام 1997. وقال: “لم نرسل أطفالنا إلى لندن أو باريس للدراسة في الجامعة، بل للقتال إلى جانب اللبنانيين الآخرين”.

كان نصر الله عنيدا، ولهذا السبب كان هدفا إسرائيليا لا مفر منه. فقد أمر بشن هجمات صاروخية ضد إسرائيل بدءا من الثامن من أكتوبر، في اليوم التالي لهجوم حماس ضد المدنيين الإسرائيليين. وقد مارس قدرا من ضبط النفس، فامتنع عن شن هجمات واسعة النطاق على المدن الإسرائيلية. ولكنه لم يتراجع عن المشاركة في المعركة.

ولن يفصل نصر الله بين مصير حزب الله ـ ولبنان ـ ومقاتلي حماس المختبئين في غزة. لقد كانت لديه فرصة لإنقاذ نفسه وحركته، في إطار خطة سلام وضعها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين. ولكن هذا كان ليتطلب قطع العلاقات مع حماس. وهو ما لم يكن ليفعله نصر الله.

في عام 2003 سألت نصر الله عما إذا كانت هناك أي صيغة للسلام من شأنها أن تضع حدا للتفجيرات الانتحارية التي كانت تحصد أرواح المدنيين الإسرائيليين آنذاك. فأجابني ببرود: “لا أستطيع أن أتخيل وضعا، استنادا إلى طبيعة المشروع الإسرائيلي وطبيعة القادة الإسرائيليين، حيث يوافق الفلسطينيون على إلقاء السلاح”.

ولم ير نصر الله مخرجا، بل رأى حربا بين إسرائيل و”المقاومة” التي ادعى قيادتها. وفي وقت اتفاقيات أوسلو عام1993  بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، “كان هناك نقاش فلسفي” حول اتفاقية سلام، كما قال. لكن تلك الحقبة انتهت.

لقد خلق نصر الله حركة قوية بشكل غير عادي في حزب الله. كانت قوية ومنضبطة للغاية لدرجة أنها تمكنت بمرور الوقت من الاستيلاء على السلطة من الدولة اللبنانية. بدا عملاء حزب الله مختلفين عن الميليشيات اللبنانية الأخرى. كانوا أكثر رشاقة وصلابة وأفضل تنظيما. كان بإمكانك تمييزهم، وهم يرتدون سترات خضراء في بعض الأحيان، عندما تصل إلى مطار بيروت.

لقد جسد حزب الله القوة المنظمة للشيعة اللبنانيين، الذين كانوا في يوم من الأيام منبوذين في حفلة الاحتفال بالذات في لبنان. لقد أصبحوا أكبر المجموعات العرقية في لبنان ــ وبالتدريج أصبحوا الأكثر صرامة أيضاً.

لقد خدم وزراء حزب الله في الحكومة اللبنانية المعطلة، وكانوا يمارسون حق النقض فيما يتصل بمن يقود البلاد كرئيس (مسيحي، وفقاً لصيغة تقاسم السلطة في لبنان) ورئيس وزراء (مسلم سني). ولكن القوة الحقيقية التي امتلكها حزب الله كانت تتمثل في كونه حكومة بديلة، مع شبكته الخاصة من منظمات الرعاية الاجتماعية والأمن لخدمة أتباع المقاومة التي عينها الحزب لنفسه ضد إسرائيل.

لقد كان نصر الله هو الذي حرك هذه الدولة داخل الدولة. فقد أشار أوغسطس ريتشارد نورتون في كتابه الصادر عام 2007 تحت عنوان “حزب الله” إلى أنه من الممكن شراء سلاسل المفاتيح والقمصان والأزرار وملصقات السيارات والملصقات التي تحمل وجه نصر الله في أماكن بعيدة مثل دمشق.

ولكن على الرغم من كاريزما نصر الله، فقد أصبح العديد من اللبنانيين يكرهونه وميليشياته. فعندما اغتيل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في فبراير 2005، ألقى العديد من عشرات الآلاف من اللبنانيين الذين تدفقوا إلى الشوارع باللوم على سوريا، وحليفها حزب الله ضمنا.

وقد أدانت محكمة مدعومة من الأمم المتحدة في عام 2020 أحد أعضاء حزب الله بارتكاب جريمة الاغتيال. وتعمق الشعور المناهض لحزب الله بعد حرب عام 2006، عندما دمرت الطائرات الحربية الإسرائيلية ــ ردا على عملية اختطاف عبر الحدود نفذها حزب الله ــ الكثير من البنية الأساسية في لبنان.

إن الحرب التي أودت في النهاية بنصر الله هي حرب لم يكن هو والحركة راغبين في الهروب منها للأسف. لقد كانت المعركة هي التي حددت هويتهما. ودون عباءة المقاومة، كان حزب الله ليفقد مبررات وجوده في الدولة اللبنانية.

في يونيو 2002، سألت أحد المرشدين الروحيين لنصر الله، الشيخ محمد حسين فضل الله، عما قد يقوله للأطفال الإسرائيليين الأبرياء الذين قُتِلوا على يد أحد الانتحاريين. فأعاد السؤال إليّ، وسألني عما قد أقوله لضحايا ناغازاكي.

إن الشيعة مخلصون “للشهداء”، منذ مقتل علي، ابن عم النبي محمد، في عام 661، وابنه الحسين، في عام 680. وخلال سبعينيات القرن العشرين في لبنان، كان الإمام “الشهيد” الموقر هو موسى الصدر، رجل الدين اللامع الذي اختفى في ليبيا في عام 1978.

والآن انضم نصر الله إلى الطابور الطويل من “شهداء” الشيعة. وسوف يرثيه أتباعه، الذين سيحاولون الانتقام له. ولكن لا أحد يعرف إذا كان موته يوفر فرصة للبنانيين لاستعادة بلادهم بعد ما يقرب من أربعين عاما من الزعامة لحزب الله.

المصدر: واشنطن بوست

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
Comments (0)
Add Comment