نشر صورة السنوار في لحظاته الأخيرة ليس في مصلحة إسرائيل


قد يسمح رحيل السنوار بإنهاء هذا العرض المرعب من الحرب في غزة. وهناك وجهتا نظر بهذا الخصوص: إحداهما متفائلة والأخرى متشائمة. ولنبدأ بوجهة النظر المتفائلة، التي ترتكز على الحقيقة المتمثلة في أن السنوار كان عقبة في محاولات التوصل إلى وقف إطلاق النار التي استمرت شهورا، إما برفضه الشروط التي تفاوض عليها الدبلوماسيون الأمريكيون أو القطريون، أو فجأة أصبح غير قابل للتواصل عندما كان القرار مطلوبا. وكان السنوار قد طالب بأن توافق إسرائيل على إنهاء دائم للأعمال العدائية، وانسحاب إسرائيلي كامل من غزة.

ويقول المتفائلون أن السنوار ترك خلفه فراغا في السلطة. ولم يبق على الأرض في غزة سوى قلة قليلة تتمتع بمكانة جادة. وأي شخص يحل محله سوف يكون أضعف من أن يستمر في نهجه الذي ظل متمسكا به. وقد يكون من السهل على القائد البديل قبول شروط وقف إطلاق النار التي قد توافق عليها إسرائيل أيضا؛ فعلى سبيل المثال، إطلاق سراح عدد أقل من السجناء الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية في مقابل الإفراج عن الرهائن المتبقين، وقبول دور للتكنوقراط الفلسطينيين غير المنتمين إلى حماس في إدارة غزة بعد الحرب. وقد يتم تحسين مثل هذه الصفقة لمن يوقع عليها من خلال الوعد بالمرور الآمن خارج القطاع والانتقال إلى قطر.

وقد تمارس بعض الدول العربية الراعية لحماس ضغوطا لتبني مثل هذا الاتفاق. كما قد يقوم بعض الفلسطينيين المعارضين للسنوار ونهجه بالمشاركة في الضغط بسبب أنهم يحمّلون السنوار مسؤولية الدمار الذي لحق بالقطاع.

ولم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أقل عنادا في عدم رغبته في إبرام صفقة من السنوار، حتى مع غضب غالبية الجمهور الإسرائيلي بسبب الرهائن المحتجزين في غزة. ومع رحيل السنوار يمكن لنتنياهو أن يتنازل قليلا لإنهاء الحرب وتحقيق الأمن، لا سيما أن صورة “العدو اللدود” المقتول موجودة على هاتف كل إسرائيلي.

أما المتشائمون فيقولون أنه من الصعب إتمام الصفقة بسبب الفراغ الذي تركه السنوار، حيث لا أحد لديه السلطة للموافقة على صفقة معقولة. ومن المرجح أن يشعر قادة حماس المتبقين بأنهم ملزمون بمضاهاة موقف السنوار المتصلب، وخاصة بسبب طريقة وفاته.

ويرى العديد من الفلسطينيين وأنصارهم العرب أن لقطات الطائرات دون طيار للحظات الأخيرة من حياة السنوار كانت بطولية؛ حيث ظل الرجل صامدا، يقاتل حتى النهاية، ومات “شهيدا” بنظر معجبيه. فبدلا من الاختباء تحت الأرض، أو في المنفى، في دولة خليجية فاخرة مثل العديد من كبار قادة حماس، مات على خط المواجهة. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي العربية، وُلدت الأسطورة بالفعل – وأي مسؤول إسرائيلي يعتقد أنه من الجيد نشر هذه الصور قد يعيش ليندم على قراره.

ولا شك أن شهية الانتقام عند حماس سوف تكون حاضرة بقوة. والطريقة الواضحة التي قد يلجأ إليها المنتقمون من جانب السنوار للرد هي إيذاء أو قتل الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس، وهو الاحتمال الذي أثار الذعر بين أسر الرهائن.

وهذا يقودنا إلى الشريك الأساسي الآخر لأي صفقة لإنهاء الحرب. فقد تضمن إعلان نتنياهو عن وفاة السنوار لغة مصممة لإضعاف أي أمل في انتهاء الصراع قريبا. فقد قال إن ذلك كان “بداية النهاية”، ولكن ليس أكثر من ذلك. ففي غياب إطلاق سراح الرهائن فحسب، بل واستسلام حماس و”إلقاء أسلحتها”، سوف تستمر الحرب.

ويمكنك أن ترى لماذا قال ذلك. إذ يشعر نتنياهو بأنه في حالة من النشاط، وأن موقفه قد تعزز. والآن يمكنه أن يتظاهر بأنه قاتل التنانين ــ السنوار في رفح، وزعيم حزب الله حسن نصر الله في بيروت ــ وبأنه الرجل الذي تحدى المتشائمين، لينتصر في النهاية. وسارع أنصاره إلى الإشارة إلى أن زعماء العالم، بما في ذلك بايدن، حثوا نتنياهو على البقاء خارج رفح: ويقولون إنه لو استمع إليهم لكان السنوار لا يزال على قيد الحياة.

وبناء على هذا المنطق، لماذا يذعن نتنياهو الآن للضغوط الأميركية لاغتنام الفرصة والموافقة على صفقة؟ ففي نهاية المطاف، اعتاد نتنياهو على تجاهل واشنطن ودفع ثمن ضئيل. وكان أحدث مثال على ذلك هذا الأسبوع عندما أصدر وزير الخارجية الأمريكي ووزير الدفاع رسالة مشتركة تطالب إسرائيل بزيادة إمدادات المساعدات الإنسانية إلى غزة، حتى مع وجود علامات على الأرض تشير إلى أن نتنياهو يسعى، جزئيا على الأقل، إلى تنفيذ ما يسمى بخطة الجنرالات، التي تدعو إلى إخلاء شمال غزة من المدنيين واعتبار من تبقى منهم جزءا من حماس قبل أن يُعرض عليه الاختيار: الاستسلام أو الموت جوعا.

ولكي يغير نتنياهو مساره، يتعين عليه أن ينفصل عن شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف الذين سمحوا له بتجنب الانتخابات التي يخشاها من خلال دعمه في منصبه، والذين يعتقدون أن الوقت الحالي، في ظل سقوط حماس، هو على وجه التحديد الوقت المناسب لضربها بقوة، وتسليم الإدارة الديمقراطية جائزة تحقيق اختراق دبلوماسي قبل أسبوعين فقط من الانتخابات التي يريد أن تخسرها كامالا هاريس ويفوز بها دونالد ترامب. فهل يبدو مثل هذا التغيير الدرامي من جانب رئيس الوزراء محتملا؟

غالبا ما يخسر أولئك الذين يراهنون على التفاؤل في الشرق الأوسط. لكن العديد من الإسرائيليين المعارضين لنتنياهو لديهم الآن فرصة. ويمكنهم أن يعترفوا بأن رئيس الوزراء حقق بعض الانتصارات التكتيكية، لكنهم يطالبونه باستغلالها لتحقيق مكاسب استراتيجية؛ بدءا باتفاق وقف إطلاق النار وإعادة الرهائن، ثم التحرك نحو عملية دبلوماسية تقدم مستقبلا مختلفا لإسرائيل وجيرانها. وقد تكون رسالتهم: مع وفاة السنوار، حققتم انتصاركم والآن حققوا السلام.

المصدر: The Guardian

 

 

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
Comments (0)
Add Comment