بدأت الولايات المتحدة في 14 أبريل في تنفيذ عملية عسكرية سرية استخدمت فيها المنفيين الكوبيين بهدف القضاء على نظام فيدل كاسترو الذي قوض مصالحها في الجزيرة.
في أعقاب ثورة مسلحة أطاحت بنظام الدكتاتور فولغينسيو باتيستا مطلع عام 1959، تم القضاء على الهيمنة الأمريكية الكاملة على الجزيرة وحرمت واشنطن من ملكية ما نسبته 75 بالمئة من الأراضي الكوبية.
النخب السياسية والتجارية التي كانت تتحكم في البلاد في السابق هاجرت إلى الولايات المتحدة، واستقر العديد من الكوبيين في ميامي الأمريكية وكونوا هناك على بعد 180 كيلوا مترا من سواحل “جزيرة الحرية” ما يشبه كوبا الصغيرة.
بدأت التحضيرات العملية لغزو كوبا في عام 1960 بتشكيل الولايات المتحدة بموجب مرسوم من الرئيس دوايت أيزنهاور لواء عسكريا خاصا منح الرمز 2506، وكان يتبع لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
هذا اللواء الذي شُكل من الكوبيين المنفيين جرى تجريبه في سرية تامة في ميامي وفي غواتيمالا، وكان يفترض أن يتم إنزاله في “خليج الخنازير” الواقع بجنوب كوبا للإطاحة بالنظام الثوري المعادي للولايات المتحدة الذي يقوده فيدل كاسترو.
الهجوم على الجزيرة المتمردة:
أطلقت الولايات المتحدة على عملية غزو كوبا انطلاقا من خليج الخناوير اسم ” زاباتا”. في هذه العملية جرى التخطيط لإنزال برمائي يتم التمهيد له بتدمير سلاح الطيران الكوبي وقصف ثلاثة من أكبر المطارات العسكرية في الجزيرة.
بحسب الخطة، قامت 8 قاذفات أمريكية من طراز “بي- 26” بالإغارة على مطارات “كامبو كولومبيا” و”سان أنطونيو لو لوس بانوس” و”سانتياغو دي كوبا”. في أعقاب تلك الضربات الجوية، تم الإعلان عن تدمير معظم سلاح الجو الكوبي.
لم تدم فرحة الأمريكيين والمتعاونين معهم طويلا. تبين أن الكوبيين كانوا على علم بعملية الغزو السرية الوشيكة، وقد استعدوا باستبدال طائراتهم الحربية بأخرى وهمية، ولذلك فقدوا فقط طائرتين من أصل 24 طائرة حربية.
فجر يوم 17 أبريل، بدأ إنزال الطلائع الأولى من قوات الغزو، وجرى إنزال مظلي على الطريق الذي يربط ساحل الخليج ببقية الجزيرة، وبدأت المعركة. قامت قوات حرس الحدود الكوبيون المدعومة بالمتطوعين بالتصدي للقوات الغازية. نجح هؤلاء المدافعون، وكان عددهم لا يتجاوز 100 فرد في تأخير تقدم العدو، على الرغم من تفوقه بعشرة أضعاف.
الهجوم سار في ثلاثة اتجاهات في وقت واحد، توجهت ثلاث كتائب من المنشقين الكوبيين إلى منطقة بلايا تشيرون، وواحدة إلى بلايا لارجا، وانتقلت كتيبة من المظليين إلى سان بلاس، فيما خصصت وحدات خاصة للاستيلاء على المطار في منطقة بلايا تشيرون لإعداده فيما بعد لاستقبال الطائرات الأمريكية.
الكوبيون الذين هبوا للدفاع عم بلادهم منذ اللحظات الأولى للغزو تمكنوا من الإمساك بزمام المبادرة بحلول 18 ابريل. جرى إغراق أربع سفن أمريكية معادية، وتم إسقاط خمس طائرات، وتمكن المدافعون من صد قوات الغزو ودفعها إلى ساحل خليج الخنازير. بحلول مساء 18 ابريل عام 1961، انهارت عملية الإطاحة بنظام كاسترو الثوري، وفشلت مخططات وكالة الاستخبارات الأمريكية.
أراد الأمريكيون الانتقام من المقاومة الكوبية العنيفة، وقامت خمس طائرات قاذفة من طراز “بي – 26” في 19 أبريل بقصف مواقع القوات الكوبية. المحاولة لم تنجح. تصدت الطائرات الكوبية للقاذفات الأمريكية وأسقطت طائرتين أمريكيتين مغيرتين. مدمرتان أمريكيتان حاولت بعد ظهر نفس اليوم الاقتراب من ساحل خليج الخنازير لإجلاء فلول الغزو، إلا أن مدفعية الدبابات الكوبية منعتها من الاقتراب.
القوات الكوبية تمكنت من إخماد ما تبقى من نيران معادية في 19 أبريل. خلع الكوبيون الذين جندتهم الاستخبارات المركزية الأمريكية للعملية ملابسهم العسكرية وحاولوا الهرب. قتل من القوات الغازية 82 شخصا، واستسلم 1197 آخرون. سقط للجيش الكوبي 156 قتيلا وحوالي 800 جريح.
في الساعة 17:30 من يوم 19 ابريل 1961 انتهى القتال. وتوقفت تماما مقاومة “اللواء 2506″، فيما واصلت القوات الكوبية عمليات التمشيط للقبض على المرتزقة الفارين.
كوبا بقيت “عصية” على الولايات المتحدة، واحتفظت بنظامها الثوري وحريتها على الرغم من الفقر والأزمات الاقتصادية الخانقة نتيجة للحصار الأمريكي المتواصل منذ عقود. ذلك الحصار الخانق كان أعاد كوبا في إحدى الفترات بعد انحلال الاتحاد السوفيتي إلى “عصر الثيران”، نتيجة لعجز البلاد عن تلبية الاحتياجات من النفط ومشتقات الطاقة.
اللافت أن لواء المرتزقة 2506، كان حصل على هذا الاسم بسبب مقتل أحد المرتزقة الكوبيين ويدعى رودريغيز سانتانا أثناء التدريبات استعدادا لعملية الغزو. هذا الرقم هو رقمه العسكري التسلسلي.
من المفارقات الأخرى أيضا أن زعيم الثورة الكوبية فيدل كاسترو التقى في صيف عام 1961 في أوروغواي ريتشارد غودوين، مستشار الرئيس الأمريكي جون كينيدي، وعبّر له عن شكره للولايات المتحدة على الهجوم. كاسترو ذكر أن الغزو الأمريكي ساهم في توحيد الأمة ومنح الكوبيين انتصارا كبيرا.
المصدر: RT
Source link