لم تكن المرة الأولى التي يحظى بها هذا الفيلم على جوائز عالمية، فقد فاز بجائزة “السعفة الذهبية” في مهرجان كان، وتمت تسميته كأحد أفضل عشرة أفلام لعام 2024 من قبل المجلس الوطني للمراجعة ومعهد الفيلم الأمريكي، وحصل على جائزتي أكاديمية السينما البريطانية، بما في ذلك أفضل ممثلة للبطلة ميكي ماديسون. كذلك حصل الفيلم على خمس تشريحات في حفل توزيع جوائز غولدن غلوب الثاني والثمانين (بما في ذلك أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي).
عرض الفيلم للمرة الأولى في 21 مايو 2024، في مهرجان كان السينمائي السابع والسبعين، وحظي بإشادة النقاد، وحقق الفيلم 41 مليون دولار في جميع أنحاء العالم بميزانية قدرها 6 ملايين دولار أمريكي.
يتناول الفيلم قصة أنورا عاملة الجنس في أحد نوادي العراة في نيويورك، التي تلتقي بأحد الزبائن فانيا زاخاروف، الذي يقوم بدوره الممثل الروسي مارك إيدلشتاين، نجل أحد الأوليغارشيين الروس الذين يعملون في صناعة النفط الروسية، ويقوم بدوره أليكسي سيريبرياكوف، ويستأجر فانيا أنورا لعدة لقاءات جنسية، ثم يدفع لها 15 ألف دولار للبقاء معه لمدة أسبوع، ثم يهربان مع الأصدقاء في طائرة خاصة إلى لاس فيغاس، وتنشأ بينهما علاقة حب، فيتزوجان في فيغاس. يعرف بالأمر القيمان الأرمن على فانيا، اللذان يرعيانه في الولايات المتحدة، يهرب فانيا منهما، ويترك حبيبته. وتستمر رحلة البحث الكوميدية عن فانيا بواسطة الثلاثة القيمان وأنورا، حتى يعثران على فانيا، الذي يوافق على إجراء الطلاق، ثم يعرف والدا فانيا، فيطيران إلى الولايات المتحدة. وتلتقي أنورا بوالدة فانيا، وتحاول التودد إليها، لكن الوالدة تنهرها، يجلس الجميع في طائرة، يصلان إلى فيغاس، يتم الطلاق.
بعد ذلك تقضي أنورا الليلة الأخيرة في قصر فانيا، يحاول الحارس/القيم على فانيا المزاح الودي معها، لكنها تذكره بأنه اعتدى عليها بالضرب حينما دخل إلى القصر أول مرة. يعطي إيغور المال لأنورا الذي وعدها به أهل فانيا، ويقودها إلى المنزل مع أمتعتها، يعيد لها خاتم زفاف ألماس كان قد سرقه من العائلة. فتبدأ في ممارسة الجنس معه في السيارة، وعندما يحاول تقبيلها، تنهار وتبكي بين ذراعيه، فتبدأ تترات الفيلم في النزول.
حينما شاهدت الفيلم للمرة الأولى، وأعتزم مشاهدته مرة أخرى، فلا بد أنني لم أتمكن من الوصول إلى جوهر وعمق وأصالة الفكرة وراء العمل الفني، لم أتصور بأي حال من الأحوال أنه فيلم يرقى ليكون حتى من الدرجة الثالثة، ولا أقول الثانية.
فالحكاية، حكاية العاهرة الفاضلة، أو حتى غير الفاضلة التي تقع في حب أحد الأغنياء، وتتحول بذا إلى “سيدة راقية”، فتلبس أنواعاً مختلفة من الملابس، وتتحول إلى سيدة مجتمع، هي قصة قديمة قدم الأزل، وعولجت مئات وآلاف المرات في الروايات وعلى خشبة المسرح وفي عدد من الأفلام.
إلا أن الفيلم يختلف عن بقية المعالجات بجرأته الشديدة فيما يتعلق بالمشاهد الجنسية، وكذلك بتفاصيل حياة المخدرات والخمر والاحتفال الماجن، ولا غضاضة، فكل المشاهد بالفعل كانت رائعة والإضاءة والكادرات كانت بالفعل بديعة.
مع بدء المغامرات بالبحث عن فانيا، تحول الفيلم فعلياً إلى العبث، حيث بدت سماجة اللكنة الأرمينية وسخف النكات المبتذلة والكوميديا المفتعلة. وطوال رحلة البحث، ننتظر نحن المشاهدون أن تنتهي الأمور نهاية طيبة، بأن يظهر فانيا، ويدافع عن حبه لأنورا، ويحارب من أجلها العالم بأسره.
كلا، نرى فانيا السكير العربيد ثملاً لدرجة أنه لا يستطيع الوقوف، وفي أحضان إحدى عاملات الجنس الأخريات غريمة أنورا في نفس النادي الذي تعمل به..
فانيا لا يتذكر أنورا بالأصل، ثم تستمر الكوميديا في محاولة طلاق الزوجين الجدد فانيا وأنورا، فنعرف أنه لا بد أن نطير إلى لاس فيغاس. تصل طائرة الوالدين، وهنا نجد الكليشيه المعروف عن الروس الهمج اللاإنسانيين، القالب الشهير لـ “الروس الجدد” الأوليغارشيين من فترة تسعينيات القرن الماضي. ذات الوجه المتجهم، والمرأة الغنية والطائرة الخاصة، وفانيا المنسحق أمام والدته، والذي يبيع حبيبته أنورا عند أول منعطف. بل يقول لها إنه قضى معها وقتا مقابل أجر.
نتعرف حينها على الحارس الذي كان أحد القيمين على فانيا، والذي نلمح تعاطفه مع أنورا، التي تبكي لانهيار منظومة القيم “لدى الروس بالطبع”، نصل إلى فيغاس، ويتم الطلاق، ويتم الاتفاق على أن تذهب أنورا مع الحارس إلى القصر الذي قضت فيه مع فانيا بضعة أيام، لتأخذ أمتعتها وتغادر.
حينما يحاول الحارس ملاطفة أنورا في تلك الليلة، يوهمنا المخرج بأن أمرا ما سيحدث.. ربما ستجد أنورا حب حياتها متمثلا في هذا الحارس الذي أوضحت لنا مشاهد الفيلم السابقة بأنه لطيف وطيب وقادر على العطاء. لكن أمرا لا يحدث.
في اليوم التالي، وبينما يقوم الحارس بتوصيل أنورا، ويمنحها الخاتم، فتمارس معه الجنس.. تفهم حينها أن الفيلم هو فيلم اللابطل واللامعنى والنهايات غير المتوقعة وغير المنطقية وربما حتى بلا هدف سوى استعراض المهارات والإمكانيات الإخراجية والتمثيلية.
لكن الهدف الأساسي للفيلم، لا سيما بعد حصوله على كل هذه الجوائز، هو العودة إلى ذلك الكليشيه المبتذل في السينما الأمريكية خلال التسعينيات من القرن الماضي، رجال المافيا والعصابات والإرهابيين الروس، ذوي اللكنة الإنجليزية/الروسية الفظة، وملامحهم الشريرة.
إذن هي الطريقة المثلى للحصول على كل هذه الجوائز. يكفي أن تمارس “الروسوفوبيا” في الفن، حتى تفتح لك أبواب الفنون والثقافة جميعاً. يبقى أن نشير إلى أن الفيلم تم إنتاجه، ويا للعجب والدهشة، في ذروة موجة “الروسوفوبيا” الأمريكية في عهد الإدارة السابقة للرئيس الأمريكي جو بايدن. وحصوله اليوم على هذه الجوائز، على خلفية التحول السياسي الواضح لإدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب وفريقه الساعي إلى الحوار مع روسيا، يفتح شهية التساؤل لدى المرء بشأن مدى التأثير المتبادل بين الفن والسياسة، لا سيما حينما تستمع إلى تعليق الممثل الشهير كونان أوبراين، مقدم توزيع جوائز الأوسكار السنوي السابع والتسعين: “أعتقد أن الأمريكيين متحمسون لرؤية أحد يقف أخيرا في وجه الروسي القوي” في تلميح لانتقاد ترامب، أعقاب مقابلته الساخنة والمتفجرة مع الرئيس الأوكراني المنتهية شرعيته فلاديمير زيلينسكي.
محمد صالح
إقرأ المزيد
ما الخطأ الفادح الذي ارتكبه زيلينسكي؟
لم يقم الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي “بواجبه” عندما خطا خطوة إلى المكتب البيضاوي برفقة الرئيس ترامب ونائبه جيه دي فانس. ما الخطأ الذي ارتكبه؟ أحمد شراي – ناشيونال إنترست
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
Source link