كانت حرب أكتوبر تحولا هائلا قلب المعطيات التي تراكمت في الحروب السابقة، وكانت علامة فارقة بددت الأسطورة التي حاول ولا يزال الكثيرون تسويقها بأن العرب عاجزون عن الوقوف في وجه الجيش الإسرائيلي.
من بين الروايات العديدة حول ما جرى في 6 أكتوبر عام 1973، واحدة مثيرة للانتباه، دفع بها في السنوات الأخيرة، المؤرخ والخبير السياسي إيغور بانكراتينكو.
هذه الرواية أكدت أن المسؤولين الإسرائيليين كانوا على علم بموعد الحرب، وأنها لم تكن مفاجئة لهم كما زعموا لاحقا لتبرير الفشل الذريع في أيامها الأولى.
الخبير يقول في مقال بعنوان “صليات من الرصاص من عام 1973″، إن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية حذرت إسرائيل في 26 سبتمبر من نفس العام من “حتمية الحرب”، إلا أن رد إسرائيل كان مذهلا تماما. تل أبيب قالت: “لا داعي للقلق، لن يتمكن العرب من مهاجمة إسرائيل إلا في غضون سنوات قليلة. ونشر القوات المصرية على الحدود هو لمناورات عسكرية معتادة، وقد تم الإعلان عنها رسميا منذ فترة طويلة”.
إضافة إلى ذلك، ذكر هذا الخبير، أن الاستخبارات الإسرائيلية أبلغت نظيرتها الأمريكية بأن معلوماتها تؤكد أن المناورات العسكرية المصرية يجب أن تنتهي قريبا، وقد تم بالفعل تسريح الضباط المصريين وذهبوا كحجاج إلى مكة.
بانكراتينكو لفت في هذا السياق إلى أن رئيس الموساد حينها، تسفي زامير كان سافر ليلة 4 – 5 أكتوبر قبل يوم واحد من اندلاع الحرب إلى لندن، حيث التقى بأشرف مروان، والأخير زود المسؤول الإسرائيلي برمز سري يشير إلى بداية الحرب.
الخبير يفترض أن عشرة أشخاص فقط في مصر كانوا على علم في 1 أكتوبر بأن المناورات العسكرية المصرية كانت تمهيدا لحرب حقيقية، مشيرا إلى أن مصر اتفقت مع سوريا في 3 أكتوبر على يوم وساعة الهجوم المتزامن على القوات الإسرائيلية في الجبهتين، وكان الوعد الساعة 14:00 من يوم 6 أكتوبر. في ذات الوقت بدأت في الرابع والخامس من أكتوبر عملية إجلاء المستشارين السوفييت من سوريا وقسم من موظفي السفارة السوفيتية من مصر، وكان الإسرائيليون على علم بالأمر.
من الشواهد التي ساقها الخبير لتأكيد علم إسرائيل المسبق بموعد حرب أكتوبر 1973، أن “محطات الإذاعة الإسرائيلية، التي كان من المفترض أن تتوقف عن البث في عيد الغفران، يوم 6 أكتوبر، أرسلت عبارات غامضة على الهواء كل ربع ساعة، (ذئب البحر!)، (سيدة جميلة!)، (شرائح اللحم!).
الكلمات المشفرة هذه تشير إلى مجموعات مختلفة من جنود الاحتياط الذين كان عليهم الانضمام فورا إلى وحداتهم العسكرية. الخبير يعلق قائلا بأن “هذه الأحداث، كما اعترف رئيس الأركان العامة الإسرائيلية في وقت لاحق، أكملت الاستعدادات العسكرية التي تم تنفيذها في الجيش خلال الأيام العشرة الماضية. لذلك، لا يمكن أن يكون هناك أي شك في وقوع أي (هجوم مفاجئ).
من أدلة الخبير أيضا أن غولدا مائي، رئيسة وزراء إسرائيل حينها، كانت ذكرت في شهادة لها أنها مسرورة بقرارها استدعاء جنود الاحتياط صباح يوم الغفران، مضيفة أن نقل المساعدات الأمريكية إلى إسرائيل خلال الحرب أصبح ممكنا بسبب قرار عدم شن ضربة وقائية.
هذه الكلمات التي صدرت عن غولدا مائير يرى الخبير أنها تؤكد أن الإسرائيليين مثل الأمريكيين كانوا على علم بالهجوم الوشيك، وأن إسرائيل قامت بتعبئة سرية بحلول الخامس والسادس من أكتوبر، “كما أن نقاش مجلس الوزراء الإسرائيلي في 4-5 أكتوبر لم يدر حول ما إذا كان العرب سيهاجمون أم لا، ولكن حول ما إذا كان يتعين مهاجمتهم بشكل استباقي. وكل هذا في إطار بعض الاتفاقيات السرية مع الولايات المتحدة”.
الخبير بانكراتينكو يضيف أن غولدا مائير كانت التقت ليلة 5 – 6 أكتوبر، مباشرة عقب اجتماع لمجلس الوزراء بالسفير الأمريكي في إسرائيل كينيث كيتينغ، وفي وقت لاحق “اعترف القادة الإسرائيليون أنفسهم بأن الهدف الرئيس للدبلوماسي الأمريكي هو إقناع الحكومة الإسرائيلية بالتخلي عن نيتها شن (ضربة وقائية) ضد العرب، حتى لا تبدو تل أبيب (معتدية) في نظر الرأي العام العالمي. وأن السفير الأمريكي أوضح أنه بخلاف ذلك ستكون الولايات المتحدة في موقف صعب عند تقديم الدعم العسكري وغيره من أشكال الدعم لإسرائيل”.
الخبير يقول إن واشنطن في ذلك الوقت كانت واثقة تماما من أن إسرائيل ستكون في هذه المرة قادرة على “سحق القوات العربية”، حتى من دون ضربة “استباقية”.
الأمريكيون كما أكدت التطورات اللاحقة، أخطأت حساباتهم تماما في تلك المناسبة، فماذا كان هدفهم من مثل هذه المسرحية الخطيرة؟
هذا الخبير في التاريخ وفي الشؤون السياسية يجيب قائلا، إن وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت هنري كيسنجر كان أبلغ بعد 18 ساعة من بدء الحرب، السفير الصيني في الأمم المتحدة خلال محادثات سرية بأن “هدفنا الاستراتيجي هو حرمان السوفييت من مركزهم المهيمن في الشرق الأوسط في الحرب التي بدأت، سوف يهزم تحالف الدول العربية، لأننا في الولايات المتحدة، نريد أن نثبت لجميع الدول العربية أن كل من يعتمد على مساعدة الاتحاد السوفيتي لن ينجح أبدا”.
المصدر: RT
إقرأ المزيد
إسرائيل الكبرى بعد “يوم القيامة”!
يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تأكيد نظرته للحروب المتوالية التي يقودها على أنها “قيامة ستؤدي بنهاية المطاف إلى القضاء” على الخصوم، وبناء “إسرائيل الكبرى”.
51 عاما على “العبور” إلى النصر!
دخلت حرب أكتوبر 1973 التاريخ العسكري باعتبارها درسا في كيفية استخدام الوسائل العسكرية بطريقة مبتكرة لمفاجأة العدو و”العبور” وتحطيم “أسطورة” الجيش الذي لا يقهر.
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});