ذا سبيكتاتور: لماذا يكرر زيلينسكي خطاب بوتين؟


تحت هذا العنوان كتب مارك غاليوتي في مجلة “ذا سبيكتاتور” مقالا يطرح فيه التحدي الذي أعلنه الرئيس الأوكراني زيلينسكي لموسكو بشأن المواطنين من أصول أوكرانية على الأراضي الروسية.

وكتب غاليوتي، الذي يرأس شركة “ماياك” الاستشارية، والأستاذ الفخري في كلية UCL للدراسات السلافية وأوروبا الشرقية، ومؤلف أكثر من 25 كتابا عن روسيا أن احتفال أوكرانيا بيوم الوحدة كان ضروريا، إلا أن قرار الرئيس فلاديمير زيلينسكي بإصدار مرسوم “بشأن أراضي روسيا التي يسكنها الأوكرانيون تاريخيا” لا يمثل ذلك فحسب، وإنما “يجسد تحديا سياسيا مفتوحا لموسكو، يردد من خلاله، على نحو غريب، خطاب بوتين“.

إقرأ المزيد

ويبدأ المرسوم، وفقا للكاتب، بانتقاد روسيا لقمعها الأوكرانيين “في الأراضي التي يسكنونها تاريخيا”، والتي تعرف بأنها “مناطق كراسنودار الحديثة، وبيلغورود، وبريانسك، وفورونيج، وكورسك، وروستوف”، وهي مساحة كبيرة من جنوب غرب روسيا. ومن هذا المنطلق، فهي تتطلب وفق منطق المرسوم إنشاء ليس فقط “خطة عمل للحفاظ على الهوية الوطنية للأوكرانيين في الداخل الروسي”، ولكن “تطوير التفاعل بين الأوكرانيين والشعوب المستعبدة من قبل روسيا”، وتغطية “التاريخ الحقيقي للانتماء العرقي” للأوكرانيين في الأراضي التي سكنوها تاريخيا داخل الحدود الروسية في “البرامج التعليمية والكتب المدرسية”.

ويرى الكاتب أن أوكرانيا تمر الآن بما أسماه “عملية مشروع حقيقي لبناء الدولة”، لكنه يعتقد أن بدء العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا، “قد عجّل، للمفارقة، بهذا المشروع”، حيث أن “الانقسامات القديمة بين الغرب والشرق، الكاثوليك والأرثوذوكس، الناطقين بالأوكرانية والناطقين بالروسية أصبحت الآن أقل أهمية بكثير مما كانت عليه في أي وقت مضى. وفي هذا السياق، فمن المفهوم والحتمي أن ترغب كييف في تعميق هذه العملية،خاصة في ظروف القتال مع روسيا”.

إلا أن المشكلة، من وجهة نظر الكاتب، هي أن الأمور “معقدة إلى حد ما أكثر مما يرغب زيلينسكي (ناهيك عن بوتين) في قبوله”. ثم يسرد مارك غاليوتي تاريخ كييف التي كانت في الأصل “أم المدن الروسية وكانت في مقدمة إمارات روسيا القديمة في العصور الوسطى، إلى أن نهبها المغول وشهدت تفوقها ينزلق إلى مدن أخرى: فلاديمير، وسوزدال، وموسكو. وفي القرن الرابع عشر، خسرها المغول لصالح دوقية ليتوانيا الكبرى. وظلت جزءا مما أصبح الكومونولث البولندي الليتواني. وفي منتصف القرن السابع عشر، استولى عليها القوزاق، الذين خضعوا في النهاية للقياصرة الروس باعتبارهم أهون الشرّين. وعلى الرغم من قدر كبير من الحكم الذاتي، ظلت أوكرانيا تحت السيطرة الروسية، وبرغم نجاحها في تأكيد الاستقلال الفعلي في الفترة من 1917-1918، فقد تم امتصاصها بعد ذلك في الدولة البلشفية الجديدة، وبقيت هناك حتى قام ميخائيل غورباتشوف بحل الاتحاد السوفيتي نهاية عام 1991”.

ويتابع الكاتب: ” وفي حين أنه يمكن للمرء أن يتحدث بالتأكيد عن تطور الهوية الأوكرانية، ولغتها وثقافتها المميزة، إلا أن هذا دائما، وحتى وقت قريب، كان تقريبا ضمن حدود دولة أكبر، وكانت الهويات الأوكرانية والبولندية والليتوانية والروسية والسوفيتية مختلطة ومتشابكة ومتداخلة”. بالتالي، يرى الكاتب أن استخدام هذا كأساس للسياسية ينطوي على عدد من المشكلات الخطيرة”. من بينها أن فكرة الدفاع عن المواطنين الروس من أصل أوكراني تعكس بشكل مباشر وجهة نظر بوتين في حق الدفاع عن مصالح الروس في أوكرانيا.

إقرأ المزيد

علاوة على ذلك، يرى الكاتب أن الإشارة إلى تطوير الروابط بين الأوكرانيين وما أسماه “الشعوب المستعبدة من قبل روسيا”، بما يتجاوز اللغة الانفعالية والمشكوك فيها للأقليات القومية “المستعبدة”، على حد تعبيره، تبدو بشكل خطير وكأنها “دعوة لاستخدام الروس من أصول أوكرانية لإثارة التوترات والتشرذم بين الأعراق داخل روسيا”. وهذا بطبيعة الحال هو على وجه التحديد ما يتهم به الكرملين كييف والغرب بالسعي للقيام به.

أخيرا، يعتقد الكاتب أنه لا يمكن أن يكون “أمرا طيبا أن يبدأ الرئيس الأوكراني بإملاء ما ينبغي أو لا ينبغي أن يكون في الكتب المدرسية والفصول الدراسية”.

وقد كان رد فعل الحكومة الروسية غاضبا، حيث وصف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف المرسوم بأنه “دعاية بدائية، مؤكدا انتماء الأوكرانيين إلى “روسيا الصغرى”، الاسم التاريخي لأوكرانيا.

بدوره قال حاكم منطقة كورسك رومان ستاروفويت إن المرسوم “يثبت مرة أخرى أن الرئيس فلاديمير بوتين كان على حق في إطلاقه العملية العسكرية الخاصة”.

إلا أن الأهم من كل هذا، وفقا للكاتب، هو “إلى أي مدى يعكس هذا المرسوم بعض نقاط الحديث الروسية”. فزيلينسكي يرفع مستوى التحدي بالتزامن مع سلسلة من التدابير والتصريحات الأخرى، حيث قدم للتو مشروع قانون يسمح لأولئك القادرين على التعبير عن تراثهم وأصولهم بالمطالبة بالجنسية المزدوجة ما لم يكونوا مواطنين روس. كما تقترح الحكومة أيضا فرض حظر لمدة 50 عاما على جميع خطوط النقل مع روسيا. بل والأمر الأكثر لفتا للانتباه هو أن نائب وزير الدفاع إيفان غافريليوك أضاف مطلبا جديدا، في مقابلة أجرتها معه صحيفة ألمانية، إلى مطالب كييف الحالية من أجل السلام: وهو أن تتخلى روسيا عن أسلحتها النووية. وهي أمور سوف “تستغلها الدعاية الروسية بكل سرور” على حد تعبير الكاتب.

ويختم الكاتب مقاله بالقول: ” من الصعب أن نصدق أنه حتى أكثر أنصار الأوكرانيين حماسة يعتقدون أن الحرب سوف تتخذ منعطفا قد يضطر موسكو إلى مثل هذا الاستسلام المذل. وبجمع كل هذه الأمور معا، قد يتساءل المرء ما إذا كانت كييف في محاولة لتجنب أي ضغوط غربية للتفاوض مع موسكو، تحاول جعل أي حوار مستحيلا”.

المصدر: The Spectator

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب



(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
Comments (0)
Add Comment