قبل القضاء المصري طعنا قدمه قبطان متهم بالتسبب في وفاة أردني غرقا وإصابة 22 آخرين بعد اندلاع حريق بالباخرة “بيلا” خلال رحلة من ميناء العقبة الأردني إلى ميناء نويبع بمصر عام 2011.
وبرأت محكمة نقض الجنح القبطان من التهم المنسوبة إليه في القضية رقم 16483 لسنة 2017 جنح الدقي حيث وجهت له النيابة العامة “أنه في يوم 3 نوفمبر 2011 تسبب خطأ في موت المجني عليه وإصابة 22 شخصا آخرين لإهماله ورعونته وعدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة وإخلاله بما تفرضه عليه أصول وظيفته”.وقضت محكمة جنح أول درجة حينها بحبس المتهم 4 سنوات وعدلت محكمة المستأنف الحكم إلى الحبس سنة مع إيقاف التنفيذ.وطعن المحامي هشام رمضان على حكم أول درجة بـ”القصور في البيان والفساد في الاستدلال لعدم بيان مضمون الأدلة التي أستند إليها، والاستناد إلى أدلة غير مقبولة أو صالحة من الناحية الموضوعية، كما التفتت محكمة أول درجة عن طلبه ندب لجنة فنية لبيان سبب الحريق والذي يعد قوة قاهرة ينتفي بها”.وقالت محكمة نقض الجنح في حيثيات حكمها “إن رابطة السببية كركن في جريمتي القتل والإصابة الخطأ يقتضي أن يكون الخطأ متصلا بالقتل والإصابة اتصال السبب بالمسبب، بحيث لا يتصور وقوع القتل والإصابة بغير هذا الخطأ، وعليه أن يستظهر في مدوناته ماهية الإصابات وعلاقتها بالوفاة لأنها من البيانات الجوهرية، وإلا كان معيبا بالقصور”.وأضافت المحكمة أن “الحكم المطعون فيه قد أغفل إصابات المجني عليهم، وكيف أنها أدت إلى وفاة من توفي منهم من واقع تقرير فني باعتبار أن ذلك من الأمور الفنية البحتة، وبذلك يكون الحكم معيبا بالقصور في التسبيب”.وذكرت المحكمة أنه “متى وجد الحادث القهري وتوافرت شرائطه في القانون كانت النتيجة محمولة عليه وانقطعت علاقة السببية بينها وبين الخطأ”، موضحة “أن الطاعن دفع بانقطاع رابطة السببية نتيجة الحريق الذي شب في الباخرة، ويعد دفعه في صورة الدعوى المطروحة دفاعا جوهريا بما يدفعه لما ينبني على ثبوته تغير وجه الرأي، وبذلك يكون الحكم المطعون فوق قصوره يكون معيبا بالإخلال بحق الدفاع، مما يتعين نقضه دون حاجة إلى بحث أوجه الطعن الأخرى، والتصدي لموضوع الدعوى عملا بنص المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن بالنقض”.حيثيات الواقعةوسردت محكمة نقض الجنح حيثيات الواقعة حيث أفادت بأنه وبتاريخ 3 نوفمبر 2011 وأثناء إيجار الباخرة “بيلا” المملوكة لشركة “الجسر العربي للملاحة” وتحمل العلم الأردني من ميناء العقبة في الأردن متجهة إلي ميناء نويبع المصري بقيادة القبطان المتهم وعلى متنها عدد من الركاب من بينهم المجني عليهم وطاقم الباخرة وعددا من السيارات وأمتعة الركاب، شب حريق في جراج الباخرة لم يحدد سببه ونشأ عنه دخان كثيف.وأضافت المحكمة أن القبطان المتهم وطاقم الباخرة لم يتمكنوا من السيطرة على الحريق لانتشاره سريعا فتم إجلاء الركاب إلى قطع بحرية التي همت لمكان الواقعة على إثر استغاثة المتهم ونتج عن الحادث حالات الوفاة والإصابة، وتناقضت الأقوال حول إهمال الشركة في الصيانة أو أهمال الطاقم، أو الحمولة الزائدة أو سوء حالة العبارة أو كثرة الرحلات أو ماس كهربائي أو عقب سجائر.وقالت المحكمة إن أصل البراءة يعتبر قاعدة أساسية في النظام الاتهامي لا ترخص فيها، تفرضها حقائق الأشياء وتقتضيها الشرعية الإجرائية وحماية الفرد في مواجهة صور التحكم والتسلط والتحامل، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل جاء قاطع يبلغ مبلغ الجزم واليقين ولا يدع مجالا لشبهة انتفاء التهمة أو الشك فيها، ودون ذلك لا ينهدم أصل البراءة.وذكرت أنه من اللازم في أصول الاستدلال أن يكون الدليل الذي يعول عليه الحكم مؤديا إلى ما رتبه عليه من نتائج من غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق، ومن المقرر أنه يجب قانونا لصحة الحكم في جريمة القتل والإصابة الخطأ أن يبين الحكم وقائع الحادث وكيفية حصوله وكيفية الخطأ المنسوب إلى المتهم، وما كان عليه موقف كل من المتهم والمجني عليه حين وقوع الحادث وكانت رابطة السببية كركن من أركان هذة الجريمة تتطلب إسناد النتيجة إلى خطأ الجاني ومساءلته عنها طالما كانت تتفق والسير العادي للأمور.وأضافت المحكمة أنها بعدما طالعت أوراق التحقيقات ووقفت على طلبات النيابة العامة والدفاع، رأت أن فصل الخطاب في هذة القضية يتحصل في الوقوف على سبب نشوب الحريق في الباخرة سبب الحادث ومدى صلة المتهم به.وأوضحت أن الأوراق قد خلت من دليل فني لفحص العبارة محل الحادث حتى يتسنى الوقوف على كيفية نشوب الحريق والظروف التي وقع فيها وسببه وهل وقع بإهمال أو لسبب لا دخل لأحد فيه ومدى قدرة المتهم في الظروف التي وقع فيها الحادث على تلافي وقوعه، وأثر ذلك كله في قيام أو عدم قيام ركن الخطأ ورابطة السببية، كما أن أحدا ممن سئلوا بالأوراق لم يشاهد الحريق لحظة وقوعه ولا يعرف كيفية حدوثه واختلفت رواياتهم، وجاءت شهاداتهم على الاستنتاج وليس الجزم واليقين، بالإضافة إلى خلو الأوراق من التقارير الطبية التي تثبت إصابات المجني وعلاقتها بالحادث.وانتهت المحكمة إلى أنها لا ترى في أقوال من تم سؤالهم بالأوراق وبمجرها ما تستطيع أن تكون به عقيدتها بشأن توافر عنصر الخطأ المستوجب لمساءلة المتهم جنائيا عن جريمتي القتل والاصابة الخطأ المسندة إليه ورابطة السببية كما هو معرف به في القانون، الأمر الذي يكون معه الحكم المستأنف إذ قضى بإدانة المتهم عن تهمتي القتل والاصابة الخطأ والمسندة إليه قد جانبه الصواب ويتعين إلغاؤه والقضاء ببراءة المتهم مما أسند اليه عملا بنص المادة 304 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجنائية.يشار إلى أن محكمة نقض الجنح سبق أن قضت بهيئة مغايرة بتاريخ 19 ديسمبر 2022 بعدم قبول طعن القبطان شكلا استنادا إلى أن تقرير الطعن خلا من بيان رقم التوكيل الصادر من المحكوم عليه لوكيله المقرر بالطعن.وذكرت المحكمة أنه بتاريخ 17 يونيو 2023 تقدم وكيل الطاعن بطلب التمس فيه العدول عن قرار المحكمة ونظر موضوع الدعوى استنادا إلى أن أصل التوكيل الصادر من المحكوم عليه أرفق بتقرير الطعن حيث لم يشترط القانون في التقرير بالطعن بالنقض بوصفه عملا إجرائيا سوى إفصاح الطاعن صاحب الصفة في الطعن عن رغبته في الاعتراض على الحكم بالشكل الذي رسمه القانون وهو التقرير به في قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم في خلال الأجل المحدد في القانون.وأوضحت المحكمة أنه لما كان المحامي الذي قرر بالطعن قد أفصح عن صفته في التقرير بالطعن نيابة عن الطاعن بموجب توكيل قدمه بالأوراق للتثبت منه فإن التقرير يكون قد استوفى مقوماته الأساسية بوصفه السند الوحيد الذي يشهد بصدور العمل الإجرائي ممن صدر عنه على الوجه المعتبر قانونا.وتابعت المحكمة أنه بالتالي يكون الطعن مقبول شكلا، ولا يغير من ذلك عدم ذكر رقم التوكيل بالتقرير ما دام أنه حين قرر بالطعن استند الى نيابته عن المحكوم عليه بمقتضى توكيل صادر منه إليه قدمه بالأوراق للتثبت من صفته الأمر الذي يتعين معه العدول عن قرار المحكمة الصادر بعدم قبول الطعن شكلا والتقرير بقبوله شكلا.المصدر: صحيفة “الشروق” المصريةتابعوا RT على