الخطابي للجنرال سيلفستر: “ستموت إذا عبرت إلينا”!



إقرأ المزيد

كانت إسبانيا مطلع القرن العشرين قد انحسر نفوذها بعد أن كانت قوة عالمية كبرى في حقبة الاكتشافات الجغرافية. خسرت إسبانيا مستعمراتها فيما وراء البحار أمام فرنسا وبريطانيا وانتزعت الولايات المتحدة منها بنهاية المطاف الفلبين وكوبا في حرب قصيرة نهاية القرن التاسع عشر.
إسبانيا حاولت التعويض في شمال إفريقيا بتعزيز نفوذها في المغرب في حصونها القديمة بمليلة وسبتة ووهران، وكانت حصلت من فرنسا في عام 1912 على شريط ساحلي ضيق شمل منطقة الريف بشمال المغرب وإفني على الساحل الأطلسي ومنطقة طرفاية جنوب نهر درعة.
الحكومة الإسبانية عززت قواتها بشكل كبير في الإقليم لفرض سيطرتها الكاملة على القسم الصغير الذي وهبته لها فرنسا من المغرب. عُين لجنرال مانويل سيلفستر قائدا لجيش ضخم تعداده حوالي مئتي ألف جندي، ضم أيضا فيلقا أجنبيا تكون حديثا ممائل للفرنسي، كان على رأسه فرانسيسكو فرانكو، الديكتاتور الذي سيطر على البلاد  لاحقا بين عامي “1939 إلى 1975”.

التحركات العسكرية الإسبانية أثارت حفيظة القبائل الأمازيغية “البربر” التي تسكن منطقة الريف، وأرسل زعيمها محمد بن عبد الكريم إلى الجنرال الإسباني سيلفستر نصحه بعدم العبور إليه لأنه سيلاقي حتفه إن فعل.
الجنرال الإسباني سيلفستر استهان بتحذير الخطابي ووصفه بالمجنون وبأنه “بربري صغير”، ووقاحته تستحق العقاب.
تعرضت القوات الإسبانية إلى هزائم في مطلع يوليو ومنتصفه مع مقاتلي الريف المغربي في معارك “أدهار اوبران”، و”سيدي إبراهيم”، و”أغريبن”،  عزز بعدها الجنرال مانويل سيلفستر قواته بالمدفعية وبدبابات كانت اشترتها بلاده من فرنسا، وشن هجوما على منطقة أنوال لرفع الحصار عن حامية إسبانية هناك.
زادت مقاومة المغاربة مع تقدم القوات الإسبانية، إلى أن وجدت نفسها محاصرة تماما في أنوال. خلال هجوم أخير في 22 يوليو تم القضاء على حامية القلعة وكامل قوات الجنرال سيلفستر، وتراجعت فلول الإسبان إلى الشمال، فيما تقدمت قوات المغاربة بقيادة الخطابي لاسترداد الأراضي المغربية المحتلة من قبل الإسبان. صدق تحذير الخطابي وكان الجنرال سيلفستر بين القتلى في معركة أنوال.

عزز محمد بن عبد الكريم الخطابي وضعه السياسي في 19 سبتمبر عام 1921 بتوحيد اثنتي عشرة قبيلة أمازيغية تحت راية جمهورية الريف التي تولى رئاستها، في حين فجرت تلك الهزيمة القاسية التناقضات السياسية في إسسبانيا وأدت في 13 سبتمبر 1923 إلى انقلاب دكتاتوري بدعم من الملك الفونسو الثالث عشر، أوصل الجنرال ميغيل بريمو دي ريفيرا، إلى منصب رئيس الحكومة.
الزعيم الإسباني الجديد قام بإجلاء الحاميات المتبقية في المناطق الداخلية من الإقليم المغربي الخاضع لسيطرة بلاده، إلا أن مقاتلو جمهورية الريف لم  يسمحوا له بالتحرك بحرية، وتم القضاء على الفي عسكري أثناء تراجعهم.
تقدمت قوات الخطابي مستردة كل منطقة يتراجع عنها الإسبان، وبحلول عام 1925 تمكت قوات جمهورية الريف من استعادة 75 بالمئة من أراضي المغرب الإسباني، وبلغت في تلك الفترة الجمهورية أوج قوتها.
فرنسا كانت في دور المتفرج في تلك الفترة. حين زادت مخاوفها من تعاظم قوة الخطابي وإمكانية زحفها على المناطق المغربية تحت سيطرتها، بدأت في تعزيز مواقعها الحدودية  مع القسم الإسباني ممن المغرب. قيدت السلطات الفرنسية الإمدادات التي تمر عبر الأراضي التي تسيطر عليها، وردت جمهورية الريف بمهاجمة القوات الفرنسية في 12 ابريل عام 1925. حققت قوات عبد الكريم الخطابي نجاحات كبيرة وكادت أن تصل إلى مدينة فاس.

تحالفت فرنسا وإسبانيا وشنت حملة معززة بالدبابات ضد الخطابي شارك فيها فرانسيسكو فرانكو، الدكتاتور الإسباني الشهير فيما بعد، بالفيلق الأجنبي الذي كان يقوده.
المعركة الأخيرة جرت في عام 1926، بمبادرة من محمد بن عبد الكريم الخطابي حيث حاول استرداد تطوان. الفارق في العتاد والعدة ظهر جليا في هذه المعركة التي خسرها الخطابي.  القائد البطل استسلم في 27 مايو 1926، وأرسل إلى المنفى في جزيرة ريونيون، الواقعة شرق مدغشقر في المحيط الهندي.
 شرارة ثورة عبد الكريم الخطابي لم تنطفئ بنفيه، وواصلت مفارز من بقايا قواته المقاومة حتى عام 1927، حين تمكن الإسبان من السيطرة بشكل كامل على الإقليم وإخماد بؤر المقاومة.
المصدر: RT   

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
Comments (0)
Add Comment