بعد يومين من المقابلة ، تحدث خلالها لبرنامجنا” قصارى القول” بجرأة وشجاعة؛ أعتقلت سلطات النظام الأسدي يوم 20 نوفمبر 2013 المحامي والقاضي السابق رجاء الناصر وانقطعت أخبار نائب المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي في سوريا عن أهله ورفاقه موجهين أصابع الاتهام إلى الأجهزة الأمنية للنظام الذي روج لرواية اختطاف الناصر على يد عصابات تسعى لعرقلة عقد مؤتمر ( جنيف-2) بعد سلسلة من التحضيرات والاجتماعات مع ممثلي النظام (المستشارة بثينة شعبان و نائب وزير الخارجية فيصل مقداد) ومشاركة عدد من رموز المعارضة السورية في الخارج برعاية موسكو.
كنت بعد أن أنهينا الحلقة على الهواء مباشرة عبر الأقمار الصناعية في 18 نوفمبر ؛ قد عبرت بين الجد والهزل ونحن خارج البث، عن مخاوفي من اعتقال الناصر الذي تحدث بجرأة وصراحة عن مئة الف معتقل في سجون الأسد من غير المعارضين المسلحين؛ مشيرا إلا أنهم لم يرتكبوا جرما غير إبداء رأي مخالف وسمعت قبل قطع الاتصال ضحكة عالية والناصر يقول ” كل شيء وارد لكن لا تهتم”!
للأسف تحققت مخاوفنا؛ وغيب النظام بعد يومين من ظهوره على شاشتنا واحداً من أبرز المعارضين الذين رابطوا في أرض الشام فلم ينزح الى الخارج ولم يهادن أو يتراجع.
طرح الناصر في آخر مقابلة تلفزيونية حية مع أرتي العربية ، مقترحات تفضي حسب اعتقاده إلى السلم الأهلي في سوريا وتحدث بالأرقام عن الواقع السياسي المر المحيط بأبناء شعبه وما يلاقيه من عسف وجور على يد نظام الفساد والاستبداد.
بعد سماع نبأ غيابه، وماتردد من معلومات عن دور جلادي الأسد في اعتقاله وربما تصفيته شعرنا بمسؤولية أخلاقية إزاء شخصية وطنية معارضة كانت موسكو وجّهت له الدعوة لاجتماع في الخارجية الروسية ضمن سلسلة لقاءات كانت ترعاها مع الفرقاء السوريين توطئة لعقد( جنيف-2).
تضاعف الشعور بالألم لان الناصر كان ضيف قناتنا على الهواء مباشرة وفهمنا ان السلطات استاءت من شجاعته وصراحته خلال الحديث معنا وارتعبت من شخصيته المؤثرة المقنعة فقررت التخلص منه دون إبطاء.
وحصل أننا رافقنا الوزير سيرغي لافروف في رحلته إلى جنيف لحضور المؤتمر، فسارعت عند أول فرصة جمعتنا نحن الوفد الصحفي المصاحب للوزير على متن الطائرة الخاصة فسألته عن مصير المعارض السوري رجاء الناصر وذكّرته بأن مصير رفيقه عبّد العزيز الخير المغيب منذ ما يزيد على العام، لا يزال مجهولا وكانوا اختطفوه بعد عودته من جولة شملت روسيا والصين بدعوات رسمية.
أخبرنا الوزير لافروف أن الجانب الروسي طلب من السلطات السورية معلومات عن مصير عبد العزيز الخير في اكثر من مناسبة وأن الجواب كان دائما؛؛
” ليس لدينا”!
ووعد لافروف بمتابعة ملف الخيّر وملف الناصر.
في كل الرحلات اللاحقة رفقة وزير الخارجية سيرغي لافروف كنت أسأل عن مصير المغيبين المعروفين لدى موسكو وعن مصير آلاف المغيبين الذين لايعلم بهم العالم.
كان سيرغي لافروف لا يمل من الإجابة عن استفسارنا ويؤكد أن الوفود الروسية تلح في طلب المعلومات عن مصيرهما وأن الجواب يتكرر بنفس الصيغة ” ليسوا لدينا”.
في إحدى المرات وردا على السؤال الذي بات لازمة أثناء الإحاطة الإعلامية للوزير بعد كل رحلة وعلى متن الطائرة الخاصة أبلغني لافروف:
” آخر مرة سألنا فيها عن مصير أصحابك كان جوابهم إذا لا تصدقون تعالوا فتشوا السجون”!
وعقّب لافروف بمزيج من السخرية والغضب:
” تصور يريدوننا revizor”!
في إشارة إلى قصة الكاتب الساخر نيكولاي غوغول الشهيرة التي ترجمت الى معظم اللغات وتحولت الى عمل مسرحي مثلته آلاف الفرق في العالم بمختلف العناوين بينها
” المفتش العام” في عدد من الدول العربية وحصلت القصة والمسرحية على مئات ملايين القراءات والمشاهدات.
كان نظام الفساد والاستبداد يلعب حتى مع حلفائه، وضيعت العنجهية والجشع والطمع وشهوة القتل والإبادة، فرصا كثيرة لان يعيش شعب سوريا بحرية وكرامة وهو المعروف بقدراته ومواهبه الفذة في العمل والإبداع.
غيب نظام الأسد مئات ألوف السوريين وتكشفت المقابر الجماعية والسجون والمعتقلات عن الأهوال وتتحطم أمال الأسر في العثور على أحياء يوما بعد يوم لتحمل الأنباء أخيرا نعي المناضل الوطني المحامي رجاء الناصر في غياهب أقبية القتل والتعذيب وما تزال مصائر آلاف المغيبين مجهولة؛ بينهم رفيق الناصر الطبيب المناضل عبد العزيز الخير والمغيب منذ العام 2012وفق رواية النظام الكاذبة؛؛ الاختطاف من قبل مجهولين.
لم يخجل ممثلو النظام حين طلبوا من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ردا على التساؤلات المتكررة عن مصير المغيبين أن يتفضل الروس بتفتيش السجون!
يا لوقاحتهم!
سلام مسافر
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب