رحلة حياة غايلينا ماتفيفسكايا رائدة دراسة المخطوطات العربية

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.


ربطتني بالراحلة صداقة عميقة وكنا على تواصل وزرتها في مدينتها وأجريت معها حديث مسجل بالفيديو . وكانت انسانة قمة في التواضع والبساطة وبنفس الوقت تتمتع بذاكرة ممتازة وذكاء لافت وحب للثقافة العربية وقد شرفتني بكتابة مقدمة لكتابي “تاريخ الرياضيات وتطورها الفلسفي” الذي صدر في 2024. 

وقد قدمت للمكتبة العلمية التراثية العالمية كنوزا من الأبحاث والكتب المتميزة والموسوعات.

لمحة عن حياة غالينا ماتفيفسكايا:

من مواليد 13 يوليو 1930 في مدينة دنـيبـروبـيتـروفسك في روسيا. أنهت عام 1954 كلية الرياضيات والمـيكانـيك في جامعة لينـينغراد بتخصص”رياضيات”. وحصلت عام 1959 على شهادة دكتوراه (ph.d.) في تاريخ الرياضيات من معهد تاريخ العلوم والتكنولوجيا التابع لأكاديمـية العلوم االسوفياتية – فرع لينـينغراد (المشرف العلمـي: الرياضي المعروف الأكاديمـي سمـيـرنوف ف.) وموضوع رسالة الدكتوراه: “المخطوطات غيـر المنشورة لليوناردو أويلر في نظرية الأعداد”. ثم عملت باحثة علمـية في نفس المعهد. أما في عام 1959-1960 فأصبحت باحثة علمـية في معهد رومانوفسكي للرياضيات التابع لأكاديمـية العلوم في طشقند عاصمة جمهورية أوزبكستان السوفياتية. ونالت عام 1968 درجة علمـية “دكتوراه في العلوم الرياضية والفيـزيائية” (doctor of sciences) وموضوع الرسالة: ” دراسات حول العدد في المشرق القروسطي”.

في عام 1974 نالت جائزة البـيـرونـي الحكومـية في مجال العلوم والتكنولوجيا في جمهورية أوزبكستان. وحصلت عام 1980 على لقب الشرف ” الشخصية المتمـيـزة في مجال العلم في جمهورية أوزبكستان”. ثم عملت في عام 1980- 1985 رئيسة لقسم الجبـر والتحليل الرياضي في معهد رومانوفسكي للرياضيات التابع لأكاديمـية العلوم الأوزبكية. وفي عام 1985 – 1991 كانت باحثة علمـية رئيسية في قسم الجبـر والتحليل الرياضي في نفس المعهد. وهي عضوة في الأكاديمـية الدولية لتاريخ العلوم. وعضوة أكاديمـية العلوم في جمهورية أوزبكستان.

بدأت دراسة تاريخ الرياضيات العربـية في طشقند وذلك بتعلم اللغة العربـية. وألفت كتاب:”حول تاريخ الرياضيات في آسيا الوسطى في القرون 9 – 15″. وتمركز عمل ماتفييفسكايا منذ هذه الفتـرة على دراسة المخطوطات العربـية الرياضية والفلكية وتوصيفها وتـرجمتها وتحليلها العلمـي.

في عام 1967 صدر لها كتاب ” دراسة نظريات العدد في الشرق الأدنـى والأوسط في القرون الوسطى”. والذي اعتمد على التـرجمات التـي انجزتها بنفسها للشروحات العربـية للمقالة العاشرة لأوقليدس، وفي عام 1971 صدر لها كتاب “تطور النظريات حول العدد في أوروبا حتى القرن 17” معتمدة على تـرجمات المصادر اللاتـينـية الأصلية التـي أعدتها بنفسها. وقد كتبت في مقدمة هذا الكتاب: عند دراسة تاريخ الرياضيات يجب التوقف عند موضوع ترجمة ونقل المعارف العلمية المتراكمة من الشرق الاوسط في القرون الوسطى الى أوروبا، حيث استوعبها العلماء الاوروبيون وقدموا نظرياتهم الخاصة…. ويمكن الحديث عن مرحلتين في التطور مفهوم العدد عند الاوروبيين. الأولى استمرت حتى القرن 15 حيث استوعبوا ما كتبه العلماء العرب والمسلمين عن مفهوم العدد. والمرحلة الثانية تشمل القرن 16 في عصر النهضة الاوروبية والتي شهدت تطورا هائلا في المعارف والعلوم وخاصة الرياضيات والتي وضعت اساسا للاكتشافات العظيمة في القرن 17 م.

وقد لعبت الترجمات العلمية من العربية واليونانية الى اللاتينية في القرون 11-12 دورا حاسما في التطور اللاحق للرياضيات الاوروبية. وتعرف العلماء الاوروبيون على علوم الحضارة اليونانية والعربية في مختلف المجالات. ومنها الرياضيات بفروعها المعروفة حينذاك: الحساب والجبر والهندسة وحساب المثلثات. وتتحدث ماتفييفسكايا عن طرق انتقال العلوم العربية واليونانية مثل الطب والفلسفة والرياضيات بدءا من القرن العاشر للميلاد عبر الاندلس (اسبانيا) وصقلية وكذلك من خلال بيزنطة وذلك الى جزيرة البيريه. وأولت اهتماما خاصا للمراكز العلمية العربية في الاندلس مثل قرطبة وطليطلة وغرناطة واشبيلية التي على اساسها قامت المدارس العلمية في دول اوروبا. كما تطرقت الى ذكر اهم المترجمين الاوروبيين الناقلين الى اللاتينية اهم المؤلفات العربية واليونانية من اللغة العربية. وقد أشارت ماتفييفسكايا الى ظاهرة الترجمات غير الدقيقة الى اللاتينية بسبب ضعف معرفة بعض المترجمين الاوروبيين للغة العربية، مما خلق انطباعا لدى البعض بأن الترجمات العربية فيها اخطاء. والحقيقة غير ذلك. وتعرض العالم الروسية بالتفصيل كيف استفاد العلماء الاوروبيون واقتبسوا من مؤلفات العلماء العرب والمسلمين مثل الخوارزمي والكرجي وابو كامل وغيرهم. و ذكرت انشاء الجامعات الاوروبية في باريس وبولونيا واكسفورد بالاعتماد على خبرة المدارس العلمية العربية في الاندلس وبغداد والقاهرة ودمشق.  

تعتبر نموذجا ساطعا على دور المستعربـين الروس في إحياء التـراث العلمـي العربـي والإسلامـي في القرون الوسطى.

فقد أمضت ماتفييفسكايا ثلاثين عاماً في تـرجمة ودراسة المخطوطات العلمـية العربـية والإسلامـية ونشرت مئات الدراسات والبحوث العلمـية المعمقة ونذكر من أعمالها: “تاريخ دراسة المقالة العاشرة لإقليدس و”دراسات حول العدد في المشرق الإسلامـي في القرون الوسطى” وموسوعة “علماء الرياضيات والفلك المسلمـين وأعمالهم في القرون 8-17 ” (3 أجزاء). ولها دراسات عن الخوارزمـي والبـيـرونـي والفارابـي وابن لبان وابن عراق ونصيـر الدين الطوسي وابن البغدادي وابن قرة وابن سينا والصوفي والقزوينـي وأبـي عبد الله الخوارزمـي (صاحب مفتاح العلوم) والعاملي وغيـرهم. إن هذه العالمة الروسية الجليلة، التـي تـركت بصمات واضحة في دراسة المخطوطات الرياضية والفلكية العربـية، تتمـيـز بالتواضع الشديد كعالمة كبـيـرة أعتبـر اننا كعرب ومسلمـين مدينون لها. وليس صدفة أنها كثيـراً ما تستشهد بعبارات العالم المسلم الكبـيـر محمد بن موسى الخوارزمـي في مقدمة كتابه الشهيـر: “كتاب الجبـر والمقابلة”، حيث قال: 

“ولم تـزل العلماء في الأزمنة الخالية والأمم الماضية يكتبون الكتب، مما يصنفون من صنوف العلم ووجوه الحكمة، نظراً لمن بعدهم واحتساباً للأجر، بقدر الطاقة ورجاءً أن يلحقهم من أجر ذلك وذخره وذكره ويبقى لهم من لسان الصدق ما يصغُر في جنبه كثيـر مما كانوا يتكلفونه من المؤونة ويحملونه على أنفسهم من المشقة في كشف أسرار العلم وغامضه. إما رجل سبق إلى ما لم يكن مستخرجاً قبله، فورثّه من بعده؛ وإما رجل شرح مما أبقى الأولون ما كان مستغلقاً، فأوضح طريقه وسهل مسلكه وقرّب مأخذه؛ وإما رجل وجد في بعض الكتب خللاً فلمّ شعْثَه وأقام أوده وأحسن الظن بصاحبه غيـر زادٍ عليه ولا مفتخرٍ بذلك من فعل نفسه” . 

وتقول ماتفييفسكايا في مقدمة كتابها عن دور العلماء العرب والمسلمـين في التقدم العلمـي البشري “بدأت، مع تـزايد الاهتمام بالمخطوطات العربـية ودراسة محتوياتها منذ أواسط القرن التاسع عشر، تتغيـر الفكرة الخاطئة التـي تفيد أن فضل علماء المشرق يقتصر على حفظ التـراث اليونانـي والهندي ونقله إلى أوروبا. فقد تبـين أن علماء الإسلام قدموا إسهامات واكتشافات علمـية ونظريات جديدة. وهناك نتائج علمـية عمـيقة تـركت أعظم الأثـر في أعمال علماء أوروبا في القرون 13-16 م.

لقد قدم العلماء العرب – كما تؤكد ماتفييفسكايا- أجوبة على أسئلة العصر وبلوروا علوماً رياضية جديدة ومستقلة مثل الجبـر وحساب المثلثات المستوية والكروية والطرق الحسابـية والهندسة القياسية. ويجدر الذكر هنا أن البـروفيسور رشدي راشد انتقد مفهوم نقل العلوم ويقول: ينبغي الحديث هنا عن امتداد وتوسع للرياضيات اليونانـية وليس عن مجرد نقلها إلى العربـية وعن تشكل علم الجبـر بوصفه اختصاصا مستقلا بذاته داخل علم الرياضيات.

وتتابع ماتفييفسكايا: “يمكن الوصول إلى هذا الاستنتاج (حول دور العلماء العرب) على أساس دراسات قام بها روزنفيلد ب. ويوشكيفيتش أ. حول نظرية الخطوط المتوازية في المشرق القروسطي. وتورد ماتفييفسكايا مثالاً آخراً وهو نظريات العلماء العرب حول العدد، والذي قامت بدراسته بالتفصيل. 

وفي كتابها أكدت ماتفييفسكا على خطأ الاعتقاد بأن الرياضيات العربية كانت تهتم فقط بالمسائل العلمية والحياتية مثل الحسابات وطرق حل المسائل في الجبر ، بل الحقيقة أن العلماء العرب والمسلمين قدموا افكارا ونظريات خاصة بهم في غاية الاهمية استخدمت في تطوير مفهوم العدد ليقترب من مفهوم العدد الحقيقي في شكله المعاصر. 

وفي السنوات اللاحقة قامت ماتفييفسكايا، بالاعتماد على المخطوطات العربـية، بنشر سلسلة كبـيـرة من الأبحاث العلمـية في تاريخ الجبـر والعدد والمثلثات الكروية والمثلثات والفلك في العالم الإسلامـي.

ومن الأعمال ذات الطابع المرجعي: تـرجمة “رسالة عن المقاديـر غيـر القابلة للمقارنة بالقياس” لابن البغدادي (ق. 10- 11) من العربـية إلى الروسية مع الشرح والتعليق. كما نشرت في 1990 بحثاً حول تكون أسس رياضيات المقاديـر المتغيـرة في الشرق الإسلامـي: “دراسات في تاريخ حساب المثلثات”.

واحتلت حيـزاً هاماً في أبحاثها وكتبها مؤلفات العلماء العرب والمسلمـين البارزين من القرون الوسطى مثل: الخوارزمـي، الفارابـي، عبد الرحمن الصوفي، ابن سينا، أبو الريحان البـيـرونـي، ابن عراق، نصيـر الدين الطوسي، أولغ بك وغيـرهم. 

وأولت ماتفييفسكايا اهتماماً خاصاً لإعداد الفهارس والبـيبليوغرافيا العلمـية وقد انعكست نتائجها في عشرات المقالات والكتب ومنها الصادرة عام 1983 في ثلاث مجلدات “علماء الرياضيات والفلك المسلمـين في القرون الوسطى وأعمالهم (ق 8 -17 م)” بالاشتـراك مع ب. روزنفيلد .

بالإضافة إلى الرياضيات الإسلامـية اهتمت ماتفييفسكايا بمسائل تاريخ الرياضيات في أوروبا في القرون الوسطى وفي فتـرات متأخرة. ودرست مسألة انتقال التـراث الرياضي العربـي والإسلامـي إلى أوروبا وقدمت دراسات حول تواصل الأفكار العلمـية وعن التـرجمات اللاتـينـية القروسطية لـكتاب “الأصول” لإقليدس في طبعاته العربـية وغيـره. وقد أعدت كتباً مهمة عن علماء رياضيات مشهورين مثل: رينـيه ديكارت، راموس، ألبـريخت ديور. علماً أنها بدأت حياتها العلمـية بدراسة أعمال أويلر الرياضية وعادت الآن من جديد لمتابعة تلك البحوث.

شاركت ماتفييفسكايا بأبحاث قيمة في مؤتمرات علمـية في روسيا وخارجها ومنها: المؤتمرين العالمـيين الثالث عشر والسادس عشر في تاريخ العلوم (موسكو 1971، بوخارست 1981) وفي مؤتمرات تاريخ العلوم العربـية (حلب 1979، باريس 1989) وفي الندوات العلمـية العالمـية في تاريخ الرياضيات (أوبـرفالفاخ 1987، 1992). وعملت في الاتحاد الوطنـي لمؤرخي العلوم والتكنولوجيا في أوزبكستان كسكرتـيـرة ثم نائبة للرئيس. وهي مسؤولة التحريـر في عدد من المجلات العلمـية العالمـية وكتبت عشرات التقييمات العلمـية لأبحاث ورسائل دكتوراه في مجال تاريخ العلوم.

حصلت عام 1974 على جائزة البـيـرونـي الحكومـية في جمهورية أوزبكستان، وفي 1980 على لقب الجدارة: “شخصية متمـيـزة في مجال العلم في أوزبكستان”. ولها مئات البحوث العلمـية والمؤلفات في تاريخ الرياضيات العربـية والأوربـية. وكتب عن حياتها وأبحاثها العلمـية أكثـر من عشرين مقالة في أكبـر المجلات العلمـية في روسيا.

عملت لأكثـر من 30 سنة مع المخطوطات الرياضيات العربـية ولكنها، للأسف، توقفت منذ أكثـر من 10 سنوات بسبب ظروف ذاتـية وموضوعية منها انهيار الإتحاد االسوفياتي واضطرارها لمغادرة أوزبكستان بعد وفاة زوجها الأوزبـيكي. وكانت تعمل أستاذة في كلية العلوم بجامعة أورينبورغ الحكومـية الواقعة في منطقة الأورال الروسية، وتشرف على عدد من طلبة الدكتوراه في تاريخ الرياضيات. وهي الآن على التقاعد ولكنها مازالت تكن كل المودة والاحتـرام للثقافة والعلوم العربـية والإسلامـية. 

وأولت ماتفييفسكايا اهتماماً خاصاً لدعم أبحاث الباحثين الشباب وقد تخرج تحت إشرافها عدد كبـيـر من الباحثين ومنهم: أ. أحمدوف: مسائل تأسيس الهندسة في الشرق القروسطي عام 1970.  ج. تلاشيف: معطيات جديدة عن تاريخ الرياضيات في آسيا الوسطى في القرون 13-15 عام1973. م. أبـراروفا: من تاريخ تدريس الرياضيات في بخارى عام 1978. ج. عبادوف: الرياضيات في الموسوعات العربـية القروسطية من القرن 10-17 عام 1986. ي. محمدييف: بهاء الدين العاملي والأعمال الرياضية في آسيا الوسطى في القرن 16-19 عام 1989. س. رمضانوفا: الطرق القروسطية للتعريفات الفلكية للإحداثيات الجغرافية في بلدان الشرق الأدنـى والأوسط القروسطي عام 1990. غ. يوسوبوفا: الهندسة الكروية في الشرق القروسطي. 

دراسات ماتفييفسكايا حول تطور مفهوم العدد

كان موضوع رسالتها للدكتوراه في العلوم الرياضية بعنوان: ” دراسات حول العدد في المشرق القروسطي”. وقد نشرت ماتفييفسكايا تلك الرسالة في كتاب خاص بنفس العنوان. ويعتبـر هذا الكتاب عملاً موسوعياً ضخماً يلقي الضوء بالتفصيل على التطور التاريخي لمفهوم العدد والمقدار منذ القدم وخاصة عند العلماء العرب والمسلمـين.

وركزت المستعربة ماتفييفسكايا بشكل خاص على الجبـر الهندسي اليونانـي ومفهوم العدد الأصم عند إقليدس. وقامت بتـرجمة أهم المخطوطات العربـية إلى الروسية والتـي كرست لشرح المقالة العاشرة من “الأصول” لإقليدس حول الكمـيات الصماء. ومن تلك المخطوطات: مخطوطة المهانـي (ق. 9) “تفسيـر المقالة العاشرة من كتاب إقليدس” والخازنـي (ق. 10) “شرح المقالة العاشرة من كتاب إقليدس” وابن البغدادي (ق. 10) ” رسالة ابن البغدادي في “المقاديـر المشتـركة والمتباينة” وهي شرح للمقالة العاشرة من “الأصول” لإقليدس والهاشمـي (ق. 10). ودرست مخطوطات ابن الهيثم (ق.10-11) ويوحنا ابن حارث بن البطريق القس (ق. 10) ونصيـر الدين الطوسي (ق.13) والنـيـريـزي (ق. 9-10) وغيـرهم.

ثم عرضت تطور الرياضيات في البلاد الإسلامـية وقسمت الحساب إلى حساب نظري وحساب عملي. وتتحدث عن الجبـر والخوارزمـي. ثم تنتقل إلى مفهوم العدد الأصم (اللانسبـي) عند إقليدس ودور العلماء العرب في تطويـر تلك العلوم الرياضية وخاصة تطور مفهوم العدد. كما تطرقت ماتفييفسكايا إلى نظرية النسب وتوسيع مفهوم العدد واختتمت كتابها بالحديث عن تأثيـر العلوم العربـية في النهضة الأوروبـية. 

بالرغم من أن نـيقوماخوس فصل مفهوم العدد عن الهندسة، وأن ديوفنطس قام بحل المعادلات السيالة (غيـر المحددة) في مجموعة الأعداد النسبـية، إلا أنهما لم يتوصلا إلى ما توصل إليه العلماء العرب والمسلمـين وهو مفهوم العدد الحقيقي.

وللعدد، كما هو معروف، قصة تاريخية طويلة. وساهم العرب بقسط كبـيـر في بلورة مفهوم العدد الحقيقي متقدمـين بذلك على علماء اليونان، الذين نظروا إلى العدد على أنه عدد طبـيعي وتعاملوا مع المقدار الهندسي وليس مع العدد الذي اعتبـروه مفهوماً مجرداً عن الهندسة. 

وقد درست الباحثة الروسية، بشكل دقيق، مفهوم العدد وتطوره لدى العلماء العرب والمسلمـين وأشارت إلى أن الجبـر أصبح لأول مرة علماً مستقلاً طبقت طرقه لحل عدد كبـيـر من المسائل النظرية والتطبـيقية. علماً أن الجبـر اليونانـي اصطدم بصعوبة كبـيـرة، لأنه تقيد بالربط بـين مفهوم العدد والمقدار الهندسي. وقد حاول ديوفنطس تحريـر الجبـر من الهندسة، ويبدو – حسب ماتفييفسكايا- أنه اعتمد على التقاليد البابلية الحسابـية الجبـرية القديمة. كما لوحظ اتجاه حسبنة الجبـر في تطويـر الرياضيات الهندسية. ومن جهة أخرى تقدمت الرياضيات الهندية خطوة إلى الأمام مقارنة بجبـر ديوفنطس لأن الهنود أجروا عمليات ليس فقط على الأعداد النسبـية وإنما اللانسبـية أيضاً. ولكن الهنود لم ينظروا إلى الطبـيعة الحسابـية للكمـيات الصماء واستخدموا العدد السالب في حل المعادلات التـربـيعية. وربما تأثـر الهنود بالرياضيات الصينـية التـي استخدمت العدد السالب (نقصان). وتوصل الهنود إلى قواعد العمليات الحسابـية على الأعداد الموجبة والسالبة (سموها دَيْن) واكتشفوا قيمتـي الجذر التـربـيعي وقطعوا شوطاً في التـرمـيـز الجبـري.

وقد اعتمد رياضيو البلدان الإسلامـية في القرون الوسطى على التـراث الهندي واليونانـي وطوروا – بـرأي ماتفييفسكايا – الرياضيات البابلية القديمة. فإبان القرن التاسع للمـيلاد لم يكتف العلماء العرب بالمعرفة الواسعة للرياضيات اليونانـية بل تجاوزوها إلى تكوين معرفة بحثية ولهذا تمـيـزت معرفتهم بطابعي النقد والإبداع. فالعرب لم يجعلوا الجبـر علماً رياضياً مستقلاً وحسب، بل طوروه بدرجة كبـيـرة. وتؤكد ماتفييفسكايا على أن العرب لم ينظروا إلى الجبـر كعلم لحل المسائل وإنما لتدريب العقل. وتـرى أن العلماء المسلمـين في مؤلفاتهم قاموا بحسبنة الجبـر. وهذا ما توصل إليه راشد وكتب عنه بالتفصيل في كتابه الشهيـر: “تاريخ الرياضيات العربـية بـين الحساب والجبـر”. 

ومن جهة أخرى استخدم العرب الهندسة لحل المعادلات الجبـرية (بتأثيـر الجبـر الهندسي اليونانـي). ونظرية حل المعادلات التكعيبـية باستخدام القطوع المخروطية. وتعود هذه النظرية إلى الخيام وكذلك لابن الهيثم والخازن. وبذلك حل العرب – كما تـرى ماتفييفسكايا- مسائل كان قد طرحها أرخمـيدس في كتابه عن “الكرة والأسطوانة”.

وتوصل العلماء العرب والمسلمـين إلى مفهوم الحل العددي التقريبـي للمعادلات الجبـرية. فمثلاً قام البـيـرونـي بحل المعادلة التكعيبـية: x 3 = 1 + 3x في النظام الستـينـي والتـي نتجت عن مسألة إنشاء مضلع منتظم ذي عشرة أضلاع. كما أعطى الكاشي طريقة عبقرية تعتمد على الاستكمال الخطي لحل المعادلة التكعيبـية: x3+Q=px وهي طريقة متطورة لا تقل دقة عن الطرق التـي ظهرت في أوروبا بعد فييت الفرنسي.

وعن الجبـر، تضيف المستعربة الروسية قائلة: تقدم العرب على اليونان في الجبـر وتطبـيقاته كثيـراً، لأنهم لم ينظروا إلى الجبـر كهندسة وإنما كنظرية عددية. وبـرز هذا الاتجاه بشكل واضح في شروحات العلماء العرب للمقالة العاشرة من “الأصول” لإقليدس. وتؤكد الباحثة على أن العلماء العرب هم أول من توصل إلى التـرمـيـز الجبـري بشكل واضح انتقلت بعض مؤثـراته إلى أوروبا وما زالت حتى الآن كرمز الجذر التـربـيعي الذي يعتبـر حرف الجيم (أول حرف في كلمة الجذر) ولكنه مقلوب. وقد استخدم القلصادي (ق 15) رموزاً جبـرية للمجهول (ش من كلمة شيء) ولمربع العدد (م من كلمة مال) والمساواة (ل من كلمة يعدل) والجذر التـربـيعي (جـ من كلمة جذر). بـينما استخدم ابن حمزة المغربـي (ق 16) مجموعة أشمل وأكمل للرموز الجبـرية. لكن الباحث محمد أبلاغ يشيـر إلى أن ابن الياسمـين (ق. 12) استخدم الرموز الجبـرية قبل القلصادي بعدة قرون. وهذا ليس بغريب لأن القلصادي كان قد اطلع على هذه الرموز عند ابن الياسمـين في شرح أرجوزة ابن الياسمـين.

وتتابع ماتفييفسكايا: “التـزم علماء هذه المرحلة بالنظرة القديمة حول مفهوم العدد والمقدار وهم يدركون الفرق الجوهري بـين هذين المفهومـين. وبالتدريج انمحت الفوارق بـين المفهومـين. ففي البداية عمم مفهوم العدد على الكسور (العادية) ثم على النسب المتجانسة (المشتـركة والمتباينة)”. وهذه طريقة جديدة – حسب رأي الباحثة- في العلم الرياضي، حيث استخدم الجبـر والحساب العملي على نفس المستوى. وبعد ذلك أصبح العلماء العرب اثناء حلهم للمسائل التطبـيقية يتعاملون مع النسبة كعدد نسبـي (الكسور) وكعدد أصم (الجذور). كما أن عملية الفصل بـين الهندسة (علم المقاديـر المستمرة أو المتصلة) والحساب (علم المتقطعات) شكلت عقبة منطقية كبـيـرة أمام تطور الرياضيات اليونانـية التـي أصابها الضمور والانحسار. والمخرج كما هو معروف جاء على يد العلماء العرب بالجمع والدمج بـين مفهوم العدد (الطبـيعي والنسبـي) والمقدار (الأصم) للوصول إلى مفهوم أعم وأشمل وهو العدد الحقيقي الموجب. إلا أن صياغة مفهوم العدد الحقيقي بمعناه الرياضي الدقيق فهي مسألة معقدة عمل عليها العلماء حتى القرن التاسع عشر للمـيلاد. ومن خلال الاطلاع على بعض المخطوطات العربـية في الحساب نجد أن العلماء العرب توصلوا إلى تطويـر نوعي وجوهري لنظرية الأعداد مقارنة باليونان فقد تمت حسْبَنَة النظرية الهندسية للمقاديـر الصماء فأصبحوا يتعاملون معها كأعداد مستقلة عن المفاهيم الهندسية. 

أما عن سبب خلط إقليدس بـين صناعة (علم) العدد والهندسة فيقول الخيام في مقالته الثالثة “في تأليف النسبة وتحقيقه” “فإن ذلك يعود “لأمرين: أحدهما ليكون كتابه [الأصول] مشتملاً على أكثـر قوانـين علم الرياضيات- ونعم ما رأى هذا- والثانـي أنه محتاج إلى علم العدد في المقالة العاشرة، ولم يـرد أن تكون بـراهين كتابه محتاجة إلى شيء خارج عن كتابه من علم الرياضيات؛ إلا أنه كان من الواجب أن يقدم العدديات على الهندسيات كما هما عند الوجود والعقل. ولكن البـراهين العددية أصعب إدراكاً من البـراهين الهندسية” 

يقول ابن البغدادي في هذا الإطار: ” فأما من خدم صناعة العدد وحدها فإنه مع شدة حاجته إلى النظر في هذه المقالة [العاشرة] بما يقوده إلى البـرهان عليها وإن كانت له طرق من الاعتقاد يـرد بها فرع الشيء إلى أصله ومتشابهة إلى حقيقته لأن فرض العدد وتوابعه أسهل على النفس من فرض القدر[المقدار] ولواحقه” أي أنه يفضل التعامل مع العدد على المقدار.

وبعد اطلاعها على المخطوطات العربـية في مجال العدد توصلت ماتفييفسكايا إلى استنتاجات مهمة حول تطور مفهوم العدد أهمها: 

لقد انتبه العلماء العرب إلى الصلة الوثيقة بـين تصنـيف المقاديـر الصماء في المقالة العاشرة وبـين المعادلات الجبـرية من الدرجة الثانـية والرابعة وإيجاد جذورها. 

 وضع بعض علماء الرياضيات العرب مسألة التأسيس النظري للعمليات الحسابـية على الجذور التكعيبـية كنوع من الأعداد الصماء. 

 إن أعمال الكرجي المتمـيـزة مثلاً كتابه “البديع في الحساب” تضمنت تطويـراً جوهرياً لدراسة ليس الجذور التـربـيعية والعمليات عليها وحسب بل الجذور من أي مرتبة، والعبارات المكونة منها (مثل ثنائي الحد). وقد كتب ب. لوكي: “لَوْ كان هناك مواصلين حقيقيين لبحوث الكرجي لتوصلوا إلى استبدال الجذور التـربـيعية في الطرف الأيمن من العلاقة المعروفة إلى جذور تكعيبـية لحصلوا على علاقة كوردانو. وهذه الملاحظة يمكن توضيحها من عبارة ثنائي الحد التـي بإيجاد جذرها يمكن الوصول إلى حل المعادلة التكعيبـية.

ونضيف هنا بأن بعض المؤلفات الجبـرية تعاملت مع الجذور التـربـيعية باعتبارها عدداً بدون دراسة طبـيعته. ومن يقرأ المقالة العاشرة لإقليدس يجد أنها تؤسس للرياضيات على أساس هندسي. ولكن عند تـرجمة هذه النظريات والتعاريف إلى اللغة الجبـرية المعاصرة فإن الأمر يختلف تماماً وتـزول الصعوبات في فهم الطبـيعة العددية للمقاديـر الصماء. وهذا بالضبط ما فعله العلماء العرب حيث قاموا بحسبنة النظرية الإقليدية للمقاديـر التـربـيعية الصماء (الجذور التـربـيعية) وهذه الخطوة لا يمكن وصف أهمـيتها ودورها في دفع الرياضيات إلى الأمام وخاصة في مجال نظرية العدد ومفهوم العدد الحقيقي. وتعتبـر أفكار العلماء العرب حول حساب القطع المستقيمة، والتـي مهدت لظهور مفهوم العدد الحقيقي، مقدمة لظهور الأفكار الرياضية عند ديكارت.

بعض الأعمال الرياضية الأخرى للباحثة ماتفييفسكايا

دراسات في المثلثات الكروية من خلال تـرجمة وشرح مخطوطة أبـي نصر بن عراق (ق. 10) “إصلاح كتاب منالاوس في الأشكال الكرية”. طشقند. 1983.

كتاب حول مخطوطة بهاء الدين العاملي (ق. 16-17) “خلاصة أعمال الحساب”. تـرجمة وتعليق رياضي وتاريخي. نشر في طشقند. 1992. وتقول في خاتمة الكتاب: “إن مؤلفات العاملي وتلامذته مثل محمد نجم الدين واليـزدي تؤكد بأن الأعمال الإبداعية الأصيلة للعلماء العرب والمسلمـين لم تتوقف، كما يقول البعض، في القرن الخامس عشر مع مدرسة أولغ بك في سمرقند، وإنما استمرت في القرنـين السادس عشر والسابع عشر.

كتاب عن حياة وأعمال عالم الفلك عبد الرحمن الصوفي (ق. 10) . موسكو. 1999. وركزت بشكل خاص على مخطوطة الصوفي: ” كتاب صور الكواكب الثابتة” و”رسالة الإسطرلاب”

“كتاب أولغ بك”. موسكو. 1997. وفيه تتحدث عن حياة أولغ بك (ق. 14-15) ونشاطه العلمـي الكبـيـر. فقد كان حاكماً لسمرقند وعالماً كبـيـراً وهو حفيد تـيمورلنك. وفي عهد أولغ بك تشكلت في سمرقند مدرسة فلكية علمـية كاملة تبحث في الرياضيات والفلك في القرن الخامس عشر. وهو الذي أمر ببناء مرصد سمرقند، وكان لأولغ بك إسهامات علمـية مثل مشاركته في كتابة “زيج أولغ بك” إلى جانب كبار علماء عصره أمثال الكاشي والقوشجي وقاضي زاده الرومـي ومريم شلبـي ونظام الدين البـرجندي. أما مكان مرصد سمرقند فقد اكتشف بعد أربعة قرون من إنشائه.

كتاب: ” حول تاريخ الرياضيات في آسيا الوسطى”. نشر في طشقند. 1962. 

كتاب: “لمحة من تاريخ حساب المثلثات” . نشر في طشقند. 1990. وفيه تتحدث ماتفييفسكايا عن تطور المثلثات المستوية والكروية في اليونان والهند والعالم الإسلامـي. وبعد دراسة مفصلة لحساب المثلثات، توصلت الباحثة إلى استنتاج مفاده أن العرب والمسلمـين هم من جعل حساب المثلثات علماً رياضياً مستقلاً عن الفلك. وتذكر بدور ابن عراق والبـيـرونـي والطوسي. 

موسوعة “علماء الرياضيات والفلك في العالم الإسلامـي في القرون الوسطى ومؤلفاتهم” (ق. 8-17) . 

تعد هذه الموسوعة من أهم أعمال ماتفييفسكايا وقد ضمتها خلاصة أبحاثها في تاريخ الرياضيات العربـية التـي قامت بها على مدى عشرات السنـين وقد أعدت هذا المؤلف الضخم بالتعاون مع المستعرب الروسي- الأمريكي المعروف ب. روزنفلد . وتتكون الموسوعة من 3 أجزاء. 

يضم الجزء الأول تعريفاً مفصلاً بالعلوم الرياضية العربـية مثل التـرقيم والحساب وجمع المتسلسلات والمعادلات الجبـرية واستخراج الجذور والهندسة وحساب المثلثات والطرق التفاضلية والتكاملية. وكذلك عن العلوم الطبـيعية: الفلك والآلات الفلكية والجغرافيا والمـيكانـيكا والبصريات وغيـرها. وتطرق إلى مسائل فلسفة الرياضيات والعلوم الطبـيعية عن العرب والمسلمـين. 

أما الجزء الثانـي من الموسوعة وهو الأهم من بـين الأجزاء الثلاثة، حيث يقدم هذا الجزء تعريفا بحياة ومؤلفات أكثـر من ألف عالم رياضيات وفلك عربـي ومسلم عاشوا بـين القرنـين الثامن والسابع عشر. وقد أشار المؤلفان في هذه الموسوعة بأن مؤرخ العلوم سوتـر ن. عرض لحياة وأعمال حوالي 500 عالم عربـي ومسلم، وأرادا أن يوسعا هذه الموسوعة لتشمل ألف عالم. ومع ذلك فالموسوعة قدمت خدمات لا توصف للباحثين في تاريخ الرياضيات والفلك العربـية، المستخدمـين للغة الروسية، وما زالت حتى الآن.

وكرس الجزء الثالث من الموسوعة للتعريف بعلماء لم تعرف تواريخ حياتهم، وبمخطوطات مجهولة المؤلف وكذلك فهارس رتبت حسب أسماء العلماء وأخرى حسب عناوين المؤلفات.

العلماء العرب أم العلماء المسلمون؟

تناقش ماتفييفسكايا مصطلح “الرياضيات العربـية” فتشيـر إلى أن هذا المصطلح ليس دقيقاً لأنه من الأصح أن نطلق اسم رياضيات أو ثقافة شعوب آسيا الوسطى. وبما أن الكتاب منشور في العهد الشيوعي السوفياتي فإن ماتفييفسكايا تبتعد عن وصف الرياضيات بالإسلامـية وتـركز على الرياضيات في آسيا الوسطى، سيما وأنها عملت في مدينة طشقند وكانت متـزوجة من عالم أوزبـيكي. 

وقد تطرق المستعربون الروس أمثال أ. يوشكيفيتش إلى “مصطلح الرياضيات العربـية” وكان يفضل تسمـية تلك الرياضيات “بـرياضيات الشعوب الناطقة بالعربـية”. وفي كتابه عن تاريخ الرياضيات في العصور الوسطى يستخدم مصطلح الرياضيات في بلاد الإسلام.

بـينما استخدم كراتشكوفسكي (ت 1951)، وهو شيخ المستعربـين الروس، مصطلح الاستعراب في روسيا واعتبـر العلوم عربـية. وألف كتباً قيمة في هذه المواضيع مثل: “نبذة من تاريخ الاستعراب في روسيا” و “مع المخطوطات العربـية” و “تاريخ الأدب الجغرافي العربي”.

وقد تمـيـز في أواسط القرن الماضي مؤرخ الرياضيات الروسي المعروف يوشكيفيتش (ت 1993) بنظرته الموضوعية تجاه العلوم العربـية والإسلامـية، حيث أكد على أن الثقافة العربـية والإسلامـية جزء أساسي وحتمـي من الثقافة العالمـية. وأن العلماء العرب لم ينقلوا العلوم القديمة من يونانـية وهندية وغيـرها ويحافظوا عليها من الضياع وحسب، بل أنهم أبدعوا نظريات جديدة. وقد قام يوشكيفيتش نفسه بدراسات قيمة في تاريخ الرياضيات العربـية والإسلامـية لاقت شهرة ورواجاً في العالم.

وتورد ماتفييفسكايا في أحد مؤلفاتها أسماء أهم المراجع التـي تطرقت إلى تاريخ الرياضيات في آسيا الوسطى. وهي من جهة تؤكد على أن الرياضيات ليست عربـية وإنما هي رياضيات شعوب آسيا الوسطى منطلقة من الناحية الجغرافية، ومن جهة أخرى تنتقد العلماء الذين لم ينصفوا العرب والمسلمـين ولم يقدروا دورهم في تطويـر العلوم.

مثلاً تنتقد إي. إيلغود الذي اعتبـر العلم فارسياً وليس عربـياً. وتعتـرف بأن معظم المؤرخين يستخدمون مصطلح العلم العربـي أو الرياضيات العربـية أو الثقافة العربـية مثل: ر. لانداو، و ج. لو بون، وأ. مـييله، وج. ريسليـر، و غ. فاتساري، و ن. سوتـر. أما ف. كاجوري –بـرأي ماتفييفسكايا- فلم يعط الرياضيات العربـية حقها وقلل غ. تسيتـين من أهمـية الرياضيات العربـية. 

ومن الملاحظ أن معظم مؤرخي الرياضيات العربـية في روسيا يـربطون الرياضيات بكلمة الإسلام أكثـر من كلمة العربـية. فمثلاً يوشكيفيتش كرس فصلاً مهماً من كتابه ” تاريخ الرياضيات في القرون الوسطى” للرياضيات في بلاد الإسلام. وكذلك سمـيت موسوعة ماتفييفسكايا وروزنفلد “علماء الرياضيات والفلك…في بلاد الإسلام”. بـينما في الغرب يستخدمون كلمة رياضيات عربـية أكثـر من رياضيات إسلامـية. وقد تكون لهذه الاختـيارات خلفيات ثقافية وسياسية وإيديولوجية، إلا أن الجمـيع يقصدون بالنتـيجة نفس المجال العلمي وهو الرياضيات المكتوبة باللغة العربـية.

وأشارت ماتفييفسكايا في معرض حديثها عن تأثيـر العلماء العرب في تطور الرياضيات في أوروبا إلى أن التـرجمة من اللغة العربـية إلى اللاتـينـية لعبت دوراً مهماً في تطور العلم في أوروبا وخاصة الرياضيات. فقد ازدهرت المدارس العلمـية في الأندلس في القرن العاشر مثل قرطبة واشبـيلية وغرناطة وأصبحت مراكز ثقافية وعلمـية كبـيـرة بعد فتح المسلمـين لها. وتوافد إلى الأندلس علماء من كل أنحاء أوروبا وبدأ عصر التـرجمة إلى اللاتـينـية (ق.12). وهنا لعبت التجارة دوراً مهماً بـين الشرق وأوروبا وخاصة عبـر صقلية وبـيـزنطة. وساهمت الحملات الصليبـية دوراً في التواصل الثقافي والعلمـي بـين العرب والمسلمـين وبـين أوروبا.

بقلم الدكتور محمود الحمزة 

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.