يزعم الخبراء أن الصين قد بدأت برنامجا طموحا للتحديث النووي يمكن أن يؤدي إلى عالم به ثلاث قوى نووية عظمى مهمة بحلول منتصف ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين. وينظر التحليل التالي أولا في تقييمات التهديد الموثوقة للتحديث النووي المحتمل للصين وتداعياته على الأمن الدولي في المستقبل. أما القسم الثاني فيقدم بعض تحليلات السيناريوهات المستقبلية ذات الصلة بالتركيبة المحتملة للاستراتيجية النووية الروسية والصينية مقارنة بتلك التي تخص الولايات المتحدة.
لقد أشارت لجنة الكونغرس المعنية بالموقف الاستراتيجي للولايات المتحدة في تقريرها النهائي الصادر في أكتوبر 2023 إلى أن استراتيجية الردع الأميركية لابد أن تتغير لمعالجة بيئة التهديد النووي في الفترة 2027-2035. ووفقا للجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة معرض للخطر من قِبَل الصين وروسيا، وأن خطر الصراع العسكري مع تلك القوى الكبرى قد نما وينطوي على إمكانية اندلاع حرب نووية.
ولمعالجة هذه التحديات الأمنية المتوقعة توصي اللجنة ببرنامج طموح لتحديث القوات النووية والتقليدية، وهندسة فضائية أكثر مرونة قادرة على أداء وظائف هجومية ودفاعية، وتوسيع القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية، وتعزيز البنية الأساسية النووية، وحيثما كان ذلك مناسبا، ضبط الأسلحة النووية و/أو تدابير الحد من المخاطر النووية. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي للولايات المتحدة أن تضمن تفوقها التكنولوجي، وخاصة في تكنولوجيات الأمن والدفاع الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمومية، وتحليلات البيانات الضخمة.
ولم يقترح تقرير اللجنة الأعداد الدقيقة وأنواع الأسلحة التي ستحتاجها الولايات المتحدة للتعويض عن صعود الصين كمنافس نووي وتحديث الترسانة النووية الروسية. ومع ذلك، فإن التكاليف الواضحة المرتبطة بتحديث القوات والبنية الأساسية النووية، بما في ذلك القيادة والسيطرة والاتصالات النووية (NC3)، والدعم السيبراني والفضائي، وأنظمة التسليم، والرؤوس الحربية، والصواريخ والدفاعات الجوية الأمريكية المحسنة (بالإضافة إلى الأسلحة الهجومية المتقدمة فرط الصوتية وغيرها من وسائل تعويض الدفاعات الجوية والصاروخية المتكاملة للعدو (IAMD))، من المرجح أن تسبب ضغوطا كبيرة على الميزانية.
وبالإضافة إلى ذلك، سيكون من المهم تحديد مدى التنسيق الوثيق بين التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتصل بالردع النووي، أو الضربة الأولى. فقد أظهر الرئيسان شي وبوتن تقاربا سياسيا ملحوظا، وتجري الدولتان بانتظام تدريبات عسكرية مشتركة. وتشترك القيادات الصينية والروسية في العداء لما تعتبره هيمنة عالمية أمريكية، ومع ذلك فإن تأثير هذا العداء على التخطيط المستقبلي للقوة لا يزال غير مؤكد.
إن ضبط الأسلحة قد يوفر منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، حتى لو قامت الصين ببناء قواتها النووية الاستراتيجية إلى حد أقصى يبلغ 1500 رأس حربي منتشرة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، فقد يظل جيش التحرير الشعبي الصيني ضمن حدود معاهدة ستارت الجديدة للأسلحة والقاذفات المنشورة التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حاليا.
ويظل البعض متشككين، ولسبب معقول، بشأن استعداد الصين للمشاركة في محادثات ضبط الأسلحة الاستراتيجية، حيث لم تُجر هذه المحادثات إلا من قِبَل الولايات المتحدة وروسيا في الماضي. وللقيام بذلك، يتعين على الصين أن تقبل درجة من الشفافية فيما يتصل بأسلحتها النووية.
ولكن موقف الصين من الشفافية قد يتطور مع زيادة أعداد قواتها النووية الاستراتيجية وانتقالها إلى نفس الحي الذي توجد فيه قوات الولايات المتحدة وروسيا. وحتى في هذه الحالة، سوف يشكل ضبط الأسلحة تحديا نوعيا وكميا، على افتراض المشاركة الثلاثية لثلاث قوى عظمى.
ولابد من الاعتراف أيضا بأن زيادة أعداد الأسلحة النووية الاستراتيجية أو غير الاستراتيجية لا تعني بالضرورة قدرا أعظم من الأمن؛ ذلك أن الموازنة بين الأسلحة التقليدية والنووية من الجيل الأحدث أمر لا مفر منه في غياب ميزانية دفاعية غير محدودة.
لقد قمنا بتوقع القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية المستقبلية من أجل تحديد معايير لتشكيل قوة عظمى ثلاثية نووية، مع نشر كل منها أسلحة على مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. وهناك عدم تناسق لا مفر منه هنا لأن الإعدادات الجيوستراتيجية وأجندات السياسة بين القوى الثلاث تختلف بشكل كبير. ولا شك أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، بينما خطط الصين للتحديث أكثر غموضا.
ومما لا شك فيه أيضا أن القادة الصينيين يدركون أنهم بعيدون عن تحقيق التكافؤ النووي الاستراتيجي مع روسيا أو الولايات المتحدة. وربما تطمح الصين إلى نموذج التكافؤ النووي الاستراتيجي باعتباره الوسيلة الرئيسية للردع أو غير ذلك من وسائل تجنب الحرب. وربما تفضل الصين النظر إلى الأسلحة النووية باعتبارها خيارا واحدا ضمن مجموعة من الخيارات المتاحة لردع أو خوض حرب في ظل ظروف ملحة، فضلا عن كونها وسيلة لدعم العمليات العسكرية التقليدية والدبلوماسية الحازمة عند الضرورة.
إن التأثير المركب لتحديث الصين الحالي، وربما المستقبلي، هو جعل قواتها أكثر مرونة، بمعنى القدرة على تحديد الفرص والتحرك بسرعة أكبر من المنافسين. ويعكس التركيز على المرونة بدلا من القوة الغاشمة تقليدا في التفكير العسكري الصيني يسعى إلى النصر دون قتال. ومع ذلك، إذا كانت الحرب لا مفر منها، فمن الضروري توجيه الضربة الأولى والحاسمة.
وهذا يعني من بين أمور أخرى أن الصين لا يمكن أن تتخلف عن الركب في المنافسة مع القوى النووية الأخرى في مجالات الفضاء والإنترنت. ويتجلى تأكيد الصين على الفضاء كمجال للحرب والردع في المستقبل في عدد عمليات إطلاق الأقمار الصناعية وقدراتها المتنامية على عمليات الالتقاء والتقارب وغيرها من وسائل التعطيل أو التدمير المحتمل لأقمار العدو والوصلات الهابطة.
ولكن المخططين الأمريكيين قد يزعمون أنه مهما كان السيناريو المتمثل في توجيه ضربة نووية أولى مشتركة من جانب الصين وروسيا غير محتمل، فإن حجم قواتهما المشتركة قد يوفر قدرا من القوة التفاوضية القسرية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.
وبطبيعة الحال، فإن أي قرار بعبور عتبة الاستخدام النووي الأول سيكون ضخما في حد ذاته، نظرا للسابقة المتمثلة في الامتناع عن استخدام الأسلحة النووية لمدة ثمانية عقود منذ قصف ناغازاكي. ولكن الاستخدام التكتيكي للأسلحة النووية قد يكون أكثر مصداقية في ظل ظروف حرب تقليدية مستمرة مقارنة بحرب نووية استراتيجية تفتح الباب أمام تدمير الحضارة.
إن ظهور الصين كقوة نووية عظمى يضيف تعقيدا إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية للردع المستقر، والسيطرة على الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية.
المصدر: ناشيونال إنترست
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب