هزيمة إمبراطورية بسلاح “الأفيون”! – RT Arabic

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.


تهريب الأفيون النقي إلى الصين كان بدأ في عام 1775. هذه السلعة، التي كانت تباع على أنها دواء، راجت تجارتها بنجاح مقابل الفضة. احتكرت شركة جزر الهند الشرقية شراء الأفيون البنغالي وفي نفس الوقت توريد الشاي إلى بريطانيا.

سلطات إمبراطورية تشينغ في الصين أغلقت السوق الصينية أمام تجارة الأفيون غير الشرعية، ما أثار بالطبع استياء السلطات البريطانية.

كان اقتصاد الصين في أوج ازدهاره في تلك السنوات. نجحت البلاد في تداول سلع هامة حصرية مع أوروبا مثل الشاي والحرير والبخور والخزف والتوابل. يمكن للأجانب في ذلك الوقت شراء مثل هذه السلع بشرط الدفع مقابلها بالفضة وفي مكان واحد فقط هو ميناء كانتون “قوانغتشو” بجنوب البلاد. كانت الصين في ذلك الوقت توصد أبوابها أمام الأجانب.

بريطانيا كانت تعتمد بدرجة كبيرة على إمدادات الشاي الصيني منذ القرن الثامن عشر. هذا المشروب الذي يعد صحيا، أصبح بديلا للجعة والمشروبات الكحولية الأخرى التي تستهلك في الحانات البريطانية.

راج استهلاك الشاي رغم أن الصينيين زودوا البريطانيين والأوروبيين بالشاي الأسود منخفض الجودة. البريطانيون لم يتذوقوا مطلقا وقتها طعم الأصناف عالية الجودة من الشاهي الأخضر أو المخمر قليلا أو الشاي الصيني الأسود.

بريطانيا شنت حربي أفيون ضد الصين. حرب الأفيون الأولى جرت بين عامي “1839 – 1842″، والثانية جرت بين عامي “1856 – 1860″، بمشاركة فرنسا.

السبب الرئيس لتلك الحرب البريطانية الغريبة ضد إمبراطورية تشينغ في الصين، يتمثل في ميل الميزان التجاري لصالح الصين التي وضعت الحواجز أمام الأوروبيين ومنعتهم أيضا من إغراقها بـ”آفة” الافيون.

 البريطانيون الذين أنفقوا كميات هائلة من العملات الفضية على استيراد الشاي، أرادوا إجبار السلطات الصينية على فتح أسواقها ورفع حظرها على تجارة الأفيون. بريطانيا رأت أن بيع الأفيون للصينيين سيعود عليها بأرباح ضخمة ويرجح كفتها في الميزان التجاري.

الإمبراطورية الصينية من جانبها كانت تتبع أيضا سياسة “الحد الأقصى من الصادرات والحد الأدنى من الواردات”، وهذا الأمر لم يكن يُرضي البريطانيين.

حرب الأفيون الأولى بدأت عمليا بمعركة بين القوات البحرية البريطانية والصينية في 4 سبتمبر 1839 بالقرب من شبه جزيرة كولون، التابعة لجزيرة هونغ كونع. لاحقا في عام 1840، أعلنت بريطانيا الحرب على إمبراطورية تشينغ.

على الرغم من التفوق العددي الساحق، إلا أن الصينيين هزموا بسبب الأسلحة الأوروبية الحديثة وتفوق البريطانيين وخاصة في البحر، ونقص الخبرات القتالية وقتها لدى الصينيين وانتشار الإدمان على الأفيون الذي تحول إلى هيروين فتاك. البريطانيون لم يخسروا إلا القليل، وكان أغلب القتلى بسبب الأمراض الاستوائية المحلية والمناخ الحار.

 تمكنت القوات البريطانية في عام 1840 من الاقتراب من بكين، وأجبر الإمبراطور داوغوانغ على التفاوض وتقديم التنازلات. القتال استؤنف بسرعة، إلا أن الأسطول الصيني مني بهزيمة في مايو عام 1841 وجرى توقيع هدنة.

لاحقا ظهرت السفن الحربية الفرنسية والأمريكية في المياه الصينية. وفي 29 أغسطس عام 1842 انتهت حرب الأفيون الأولى بانتصار بريطانيا وإجبار الصينيين على السماح ببيع الأفيون في البلاد.

إمبراطورية تشينغ الصينية أجبرت أيضا على دفع تعويض لبريطانيا، ومنحها جزيرة هونغ كونغ وفتح موانئها للبريطانيين. في تلك الأوقات، زاد إدمان الصينيين على الأفيون والموت بسببه، ما أضعف اقتصاد البلاد بشكل كبير.

تواصلت محاولات بريطانيا التغلغل في الصين للوصول إلى أسواق المقاطعات الداخلية النائية. في تلك الأثناء اندلعت حرب أهلية في أراضي إمبراطورية تشينغ، وتكونت دولة تايبينغ المعادية للصين. هذه الدولة استخدمت من قبل الأوربيين لمحاربة الإمبراطورية الصينية.

لم تحقق بريطانيا كامل أهدافها ما أدى إلى نشوب حرب الأفيون الثانية بين عامي “1856 – 1860”. ضغطت بريطانيا وفرنسا على الصين للحصول على حق غير محدود للتجارة بالأفيون فاندلعت حرب الأفيون الثانية.

بحلول عام 1860 دمرت القوات البريطانية والفرنسية مدينة كانتون بجنوب الصين وهددت بكين مجددا، ما أجبر الإمبراطور الصيني على الاستسلام.

وقعت في أكتوبر من نفس العام معاهدات بكين، التي أجبرت الصين على دفع تعويضات كبيرة، وفتح ميناء تيانجين للتجارة مع الأجانب. هذه الاتفاقية المذلة أجبرت الإمبراطورية الصينية أيضا على السماح باستعمال رعاياها في أعمال السخرة في المستعمرات الفرنسية والبريطانية.

مرّ الزمن، وتورطت بريطانيا وفرنسا في حروب هنا وهناك، وضعف بشكل كبير الاهتمام بالصين. في منتصف القرن العشرين بعد سنوات طويلة من الإذلال الاستعماري والتغيرات الكبيرة، تأسست جمهورية الصين الشعبية وبدأت البلاد تدريجيا في الوقوف على قدميها.

نما الاقتصاد الصيني بوتيرة متسارعة وزادت قوتها العسكرية ونفوذها السياسي وأصبح هدف بكين الوصول إلى مرتبة الاقتصاد الأول على الأرض بحلول عام 2030. الصين بذلك تمكنت من تجاوز عصور الفوضى والضعف، وهي تسعى إلى طي تلك الحقبة المظلمة من سيطرة أفيون الأوروبيين عليها، إلى الأبد.

المصدر: RT

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});

Source link

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.