لقد حققت إسرائيل لحظة انتصار مدوية عندما تم تأكيد وفاة السنوار. فقد رحل مهندس هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 على إسرائيل، ووفاته ترمز إلى هيمنة إسرائيل العسكرية المتجددة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ولكن هناك تحذير: لقد قتلت إسرائيل ثلاثة من قادة حماس سبقوا السنوار دون تدمير تلك الحركة، لذا فإن أي إعلانات عن النصر سابقة لأوانها.
وأعلن بنيامين نتنياهو أن “اليوم التالي” قد وصل إلى الشرق الأوسط، حتى في الوقت الذي حذر فيه من أن الحرب ضد أعداء إسرائيل سوف تستمر. وبدا وكأنه يعرض العفو والمرور الآمن من غزة لأنصار حماس إذا نزعوا سلاحهم وسلموا الرهائن الإسرائيليين، ولكن خطة الإنقاذ هذه غير فعّالة.
لقد تبدلت صورة بنيامين نتنياهو مع الأحداث الأخيرة من الفشل الذريع في 7 أوكتوبر إلى إدارة الطاولة عسكريا. حيث سُحِقَت قوات حماس في غزة، وقُطِعَ رأس حزب الله في لبنان. كما عجزت إيران، التي يصفها القادة الإسرائيليون غالبا بأنها “رأس الأخطبوط”، عن الرد بفعالية.
ولكن على الرغم من النجاح العسكري الإسرائيلي، فقد فشل نتنياهو تماما في الاستعداد لما يعرف أنه ينتظره. فغزة فوضى عارمة يائسة، وإسرائيل ليس لديها خطة واضحة لحكمها واستقرارها. ومع القضاء على قيادة حزب الله، أصبح لدى لبنان فرصة لاستعادة سيادته، لكن معظم اللبنانيين البارزين الذين يكرهون حزب الله حذروني مؤخرا من أن الغزو البري الإسرائيلي المدمر يجعل من الصعب سياسيا توحيد البلاد وكبح جماح العناصر المسلحة في حزب الله.
إن مسار حياة السنوار لا ينفصل عن التاريخ الحديث لهذا الصراع، ووفاته تؤكد لماذا سيكون من الصعب للغاية خلق الاستقرار بعد الحرب في شريط صغير من الأرض حيث قُتل أكثر من 40 ألف فلسطيني وأُجبر 90٪ من السكان على النزوح من منازلهم.
على مدى خمسين عاما، كانت غزة مكانا للغضب المتقد. وقد أدى هذا الغضب إلى ولادة حركة حماس في عام 1987. وكان لدى السنوار العبقرية لتعبئة هذا الغضب وتحويله إلى قوة قتالية منضبطة ومخادعة هاجمت إسرائيل في 7 أكتوبرفيما وصفه نتنياهو بأنه أسوأ حدث للشعب اليهودي منذ المحرقة.
وفي عام 1988، اعتقلت قوات الأمن الإسرائيلية السنوار بتهمة قتل المخبرين الفلسطينيين وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة. وكان من الممكن أن يلين رجل أقل انضباطا، لكن السنوار تعلم العبرية، ودرس الكتب والصحف الإسرائيلية، وبدأ يحلم بالانتقام. كما كتب رواية من سجنه في بئر سبع، نُشرت في عام 2004 بعنوان “الشوك والقرنفل”. كان الكتاب ملهما وكتب في مقدمته: من الخليج إلى المحيط، بل من المحيط إلى المحيط.
إن مقطعا من رواية السنوار يجسد شدة تحديه لإسرائيل. وهناك مشهد يصف الإسرائيليين وهم يستجوبون الشخصية التي تشبهه؛ حيث يُجبر على الوقوف على الحائط، ويتعرض للضرب حتى يسقط، ثم يُسند ويضرب مرة أخرى. “في كل مرة يرفعونني من كتفي ويوقفونني، كنت أسقط مرة أخرى على الأرض. صحيح أنني دفعت ثمنا باهظا لجلوسي، لكنني شعرت براحة هائلة”.
لقد اعترف السنوار بطموحاته لطبيب أسنان إسرائيلي ساعد في تشخيص وعلاج ما كان يمكن أن يكون ورما قاتلا في المخ. أجرى رمنيك مقابلة مع طبيب الأسنان، الذي تذكر ما يبدو الآن تعليقات نبوية مخيفة من السنوار. “نحن مستعدون للتضحية بعشرين ألفا، وثلاثين ألفا، ومائة ألف. وبعد عشرين عاما، ستصبحون ضعفاء، وسأهاجمكم”. جاء هجوم حماس في 7 أكتوبر بعد عشرين عاما بالضبط من وعد السنوار.
في عام 2011، أُطلق سراح السنوار كواحد من حوالي 1000 سجين فلسطيني تم تبادلهم مقابل إطلاق سراح رهينة إسرائيلي واحد، جلعاد شاليط. وفي العام التالي، سافر إلى إيران للقاء قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس الإيراني، وفقا لتقرير رمنيك. وأصبح السنوار رئيسا لحماس في غزة في عام 2017؛ ثم بدأ ببطء في تجميع الترسانة لغزوه النهائي في 7 أكتوبرعلى إسرائيل وبناء متاهة الأنفاق تحت الأرض التي ستهرب إليها حماس عندما تشن إسرائيل هجومها الانتقامي.
ومع رحيل السنوار، يجب وقف وقف إطلاق النار والعمل على عودة الرهائن الإسرائيليين. وقد تم إعداد صفقة بعناية من قبل الوسطاء الأمريكيين، والتي بموجبها ستفرج إسرائيل عن 1000 فلسطيني على الأقل – أكثر من 100 منهم يقضون أحكاما بالسجن مدى الحياة – في مقابل الأسرى الإسرائيليين. وكان المقصود من هذه المقايضة غير المتوازنة أن تروق للسنوار، الذي تم إطلاق سراحه في صفقة تبادل مماثلة. ولكن قد لا ترغب إسرائيل في تقديم مثل هذه الشروط السخية مع رحيل السنوار.
وفي المحصلة لم تنته الحرب بعد، و”اليوم التالي” قادم، وإذا لم تستعد إسرائيل بحكمة لذلك، فقد يأتي جيل جديد من السنوار أيضا.
المصدر: تايمز أوف إسرائيل
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب