الخبير الأمريكي في مركز سياسات الشرق الأوسط بروس ريدل كان وصف هذه الحرب في مقالة بعنوان “دروس من حرب أمريكا الأولى مع إيران”، قائلا إن “الحرب الإيرانية العراقية كانت مدمرة. كانت واحدة من أكبر وأطول الحروب التقليدية بين الدول منذ انتهاء الحرب الكورية في عام 1953 فقد نصف مليون شخص، وربما أصيب مليون آخر. تجاوزت التكلفة الاقتصادية للحرب تريليون دولار ومع ذلك، كانت خطوط المعركة في نهاية الحرب بالضبط تقريبا حيث كانت في بداية العمليات العسكرية. كانت أيضا الحرب الوحيدة في العصر الحديث التي استخدمت فيها الأسلحة الكيميائية على نطاق واسع.
بروس ريدل يلفت إلى أن هذه الحرب بالنسبة للجيل الإيراني الذي يقود بلاده في الوقت الحالي، “كانت الحدث الحاسم في حياتهم وقوة رئيسة في تشكيل نظرتهم للعالم. ويمكن إرجاع معاداتهم لأميركا وشكوكهم العميقة حيال الغرب بشكل مباشر إلى فهمهم للحرب الإيرانية العراقية. وبالتالي، يتوجب علينا أن نتوقع أن تجعل الحرب القادمة إيران أكثر تطرفا وأكثر تصميما على الحصول على القنبلة”.
الخبير الأمريكي في الشؤون الدولية ينبه ساسة بلاده إلى أن الدرس الآخر المستفاد من الحرب الأولى (يقصد الصدام العسكري مع إيران في نهاية الحرب العراقية الإيرانية) أن إيران لن تخيفها الولايات المتحدة بسهولة. بحلول عام 1987، دمرت الحرب إيران، ودمرت العديد من مدنها، وانخفضت صادراتها النفطية إلى الحد الأدنى، وتحطم اقتصادها. لكن إيران لم تتردد في محاربة البحرية الأميركية في الخليج واستخدام وسائل غير متكافئة للرد في لبنان وأماكن أخرى. وحتى مع إغراق القوات البحرية الأميركية لمعظم سفنها، استمرت إيران في القتال واستمر الشعب الإيراني في الاحتشاد خلف آية الله الخميني”.
ريدل يرى في هذا الموضوع الذي نشر في عام 2013 أن إيران “خاضت حربا ذكية، متجنبة التصعيد السريع والخطير للغاية. وكما لاحظ الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، فإن السلوك الإيراني عقلاني وليس انتحاريا. لن تتخذ إيران خطوات تعرض بقاء الثورة للخطر، بل ستسعى إلى استغلال نقاط الضعف الأميركية.. إضافة إلى نقاط ضعف إسرائيل”.
الخبير رصد في هذا السياق أن “إيران وسعت ساحة المعركة في الحرب الإيرانية العراقية إلى بلدان أخرى حيث يمكنها استغلال نقاط الضعف الأمنية. وينبغي لنا أن نتوقع نفس الشيء في حرب مستقبلية”.
إيران لن تتراجع بسهولة:
الدرس التالي الذي يستخلصه الخبير الأمريكي يتمثل في أن “إنهاء حرب مستقبلية سوف يشكل تحديا. ففي عام 1988، لم تطلب إيران وقف إطلاق النار إلا بعد أن عانت من هزيمة كارثية على الأرض في مواجهة القوات العراقية، وبعد أن هدد صدام حسين بإطلاق صواريخ سكود المسلحة برؤوس حربية كيميائية على المدن الإيرانية. كان الإيرانيون يخشون أن يواجهوا (هيروشيما) ثانية إذا لم يقبلوا الهدنة… بالنسبة للخميني، كان قبول الهدنة أشبه بـ(تجرع السم). لا توجد حربان متماثلتان، ولكن التاريخ يشير إلى أن إيران لن تتراجع بسهولة”.
تحذير للولايات المتحدة من نصائح إسرائيل:
الدرس المستفاد التالي الذي خرج به هذا الخبير من الحرب العراقية الإيرانية يقول: “إن الدرس الأخير الذي تعلمناه من هذه التجربة هو ضرورة التدقيق الدائم في نصائح الحلفاء. ومن عجيب المفارقات أن إسرائيل، الشريك الأقرب للولايات المتحدة في المنطقة، مارست ضغوطا شديدة ومتكررة في ثمانينيات القرن العشرين على واشنطن لحملها على تغيير موقفها وعرض المساعدة على إيران. فقد كان زعماء إسرائيل وجنرالاتها وجواسيسها مهووسين بالتهديد العراقي في ثمانينيات القرن العشرين، تماما كما هم منشغلون بالتهديد الإيراني اليوم، وكانوا يتوقون إلى استعادة العلاقة الحميمة التي كانت تربطهم بالشاه في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين”.
الخبير في الشؤون الخارجية سكاب قائلا: “إن النظر إلى الوراء.. في عام 1988 يكشف لنا الكثير ويتكشف لنا الكثير. فقد حققت أمريكا أهدافها المباشرة في الحرب الأولى، فقد أوقفت تقدم إيران إلى العراق، ودافعت عن ناقلات النفط في الخليج، واحتوت الحرب من الانتشار إلى شبه الجزيرة العربية. لم يتمكن الخميني من غزو البصرة وبغداد والزحف نحو القدس كما كان يحلم. ولكن اليوم أصبحت إيران القوة الأجنبية المهيمنة في بغداد، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى حرب أخرى خاضتها أمريكا”.
ما يصفها الخبير بالحرب الأمريكية الأولى مع إيران، يرى أنها “ساعدت في جعل إيران دولة أكثر تطرفا. حرب ثانية قد تفعل الشيء نفسه. وبالتالي، فإن حربا أخرى مع إيران لوقف برنامجها النووي قد تثبت في نهاية المطاف أنها الحافز الذي يدفع إيران إلى الحصول على ترسانة أسلحة نووية خطيرة. وبدلا من وقف الانتشار، يمكن أن يحرض عليه أكثر”.
الخبير ينصح واشنطن داعيا إياها إلى التمعن في دروس حرب الخليج الأولى، مشيرا إلى أن “التاريخ بلا شك لا يكرر نفسه، ولكنه يتشابه في بعض الأحيان. ولابد من التمعن في دروس الحروب القديمة بعناية قبل خوض حروب جديدة. فقد نسي العديد من الأميركيين دروس حربنا غير المعلنة في ثمانينيات القرن العشرين. وخضنا العديد من الحروب الأخرى منذ ذلك الحين، في العراق (مرتين)، وفي أفغانستان، وفي ليبيا. ورغم أنه قد يكون من السهل على واشنطن أن تنسى هذه الدروس، فإن أي إيراني لن ينسها”.
الحرب المقبلة سيكون صعب إنهاؤها:
الخلاصة النهائية التي يصل إليها هذا الخبير تقول إن الحرب العراقية الإيرانية “على الرغم من انتهائها في عام 1988، إلا أنها أدت إلى العديد من الهزات الارتدادية التي امتدت في جميع أنحاء المنطقة بما في ذلك الغزو العراقي للكويت في عام 1990، وتحرير الكويت بعد عام، والغزو الأمريكي للعراق في عام 2003. كانت الحرب الأمريكية الدموية… هي النهاية في مسيرة الحماقة هذه. زرعت بذور مأساة متعددة الأجيال في الحرب الإيرانية العراقية سيعيش العالم مع عواقبها لعقود، إن لم يكن لفترة أطول”.
المصدر: RT
إقرأ المزيد
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
Source link