تحتدم الصراعات في الشرق الأوسط وأوكرانيا، ويلوح شبح “حرب عالمية ثالثة”. فكيف سيكون شكل هذه الحرب، مع الدعم الشعبي الهش للحروب؟ مجلس تحرير ناشيونال إنترست
لا شك أن المواجهة بين الولايات المتحدة ومنافسيها، الصين وروسيا وإيران، اشتدت حدتها، ولا يمكن استبعاد احتمال نشوب حريق أوسع نطاقا. ومع ذلك فإن الصراع الحقيقي بين القوى العظمى من غير المرجح أن يشبه الحروب العالمية في القرن العشرين. ولذلك قد يكون الاعتماد على الحرب بالوكالة والمعلومات والحرب السياسية والاقتصادية مع تجنب القتال التقليدي واسع النطاق هو الخيار الأفضل.
رغم الميزة الاقتصادية التي تتمتع بها الولايات المتحدة مقارنة ببلدان الأخرى، فإن نقاط ضعفها السياسية تفاقمت. وتظهر استطلاعات الرأي تراجع الثقة في الحكومة الفيدرالية إلى أدنى مستوياتها التاريخية، حيث أعرب حوالي 15% فقط من المواطنين عن ثقتهم في قدرة الحكومة على “القيام بما هو صحيح في معظم الأوقات”. وقد أدت الحزبية الحادة إلى تآكل قدرة الرئيس على التصرف.
إن المستوى الهش للدعم الشعبي يجعل استراتيجيات التعبئة الجماهيرية، التي مارسها القادة في ذروة العصر الصناعي، شبه مستحيلة. ففي الحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال، حافظت الولايات المتحدة وحلفاؤهاعلى ميزانيات دفاعية تعادل 40% من الناتج المحلي الإجمالي. وتم دفع هذه النفقات بزيادات ضريبية على أصحاب الدخول الكبيرة. كما أدى التجنيد الوطني الذي يشمل حوالي 20% من الذكور إلى تضخم الجيوش ومكنهم من القتال لسنوات طويلة.
لكن الدول المعاصرة أدركت هشاشة الدعم الشعبي، كما أبقت الدول التي تخوض حروبا الضرائب منخفضة عموماً، وضمنت تدفقاً ثابتاً للسلع الاستهلاكية، ووضعت عبء القتال على أقلية ضئيلة.
إن التصعيد إلى حرب كبرى يبدو أقل احتمالاً الآن؛ إذ قد يتخذ الصراع الجيوسياسي شكلاً مختلفًا عن الحروب العالمية الأخيرة للاعتبارات التالية:
أولا: رغم تأييد حوالي 80% من الشعب الأمريكي في البداية الحربين في العراق وأفغانستان. ومع ذلك، ظلت معارضة التجنيد الإجباري أو زيادة الضرائب لتمويل الحرب قوية للغاية لدرجة أن الحكومة الأمريكية لم تطرحها أبدًا.
ثانياً: انقسام الرأي العام بشأن الحروب وتراجع الدعم الشعبي لها. ففي الولايات المتحدة تصاعدت المعارضة السياسية لدعم إسرائيل مع تزايد الخسائر في صفوف الفلسطينيين في مواجهة الهجمات الإسرائيلية الدموية. وفي الكونغرس، كان الديمقراطيون منقسمين؛ فمنهم من يطالب بمزيد من الدعم لفلسطين بينما يصر آخرون على التزامات طويلة الأمد تجاه إسرائيل.
أما بالنسبة لأوكرانيا فقد اعترض بعض المشرعين على تكلفة الدعم الدفاعي الأمريكي، والتي تجاوزت 43 مليار دولار. وطالب آخرون بإنفاق المزيد من الموارد على احتياجات الأمن الداخلي، مثل الحدود الجنوبية للبلاد.
ثالثاً: إن نقص الموارد يجعل مواصلة حرب شديدة الحدة صعبة على الدول. فعلى سبيل المثال انسحبت الولايات المتحدة من العراق وأفغانستان جزئياً بسبب الخلافات السياسية حول تكاليف العمليات.
وبالتالي بدلاً من الحروب التقليدية والمكلفة، قد تجد البلدان طرقاً أكثر جاذبية كالحرب بالوكالة والمعلومات والحرب السيبرانية والاقتصادية لمواصلة الضغط على خصومها. توفر الحروب بالوكالة إمكانية استنزاف الخصم دون المخاطرة بخسائر في صفوف الجيش. وقد تستخدم الدول المقاولين والحلفاء والشركاء الحكوميين وغير الحكوميين والأنظمة غير المأهولة تجنبا للمخاطر السياسية والخسائر العسكرية، ولفعاليتها من حيث التكلفة.
إن الحاجة إلى ضمان الأمن الداخلي والحد من السخط الشعبي تشير إلى أن الولايات المتحدة ستكون بحاجة إلى إطار جديد لإدارة التحديات التي تفرضها الدول المنافسة. ويجب البدء في التخطيط في كيفية ضمان أمن الولايات المتحدة في عصر يتسم بالدعم الشعبي الهش.
المصدر: ناشيونال إنترست
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب