كانت النتيجة استنزاف “حزب الله” وإخراجه من اللعبة. سقطت سوريا، فيما تظهر السلطة الجديدة في البلاد الحياد تجاه إسرائيل، حتى مع تسبب ذلك لخسارة بعض الأراضي. و”حماس” هي الأخرى تخرج من اللعبة باتفاق لوقف إطلاق النار.
في رأيي المتواضع أن ذلك هو الهدوء الذي يسبق العاصفة، فالأهداف الاستراتيجية لإسرائيل لم تتحقق بعد، وتهدئة المناطق الثانوية ليست سوى تحضير لضربة ضد العدو الرئيسي: إيران.
فلا يزال معظم أعداء إسرائيل موجودين، بما في ذلك إيران، التي تعمل على تطوير برنامجها الصاروخي، ولديها القدرة على أن تصبح قوة نووية، وهو أمر غير مقبول إطلاقا بالنسبة لإسرائيل.
وأنطلق هنا من وجهة نظر أن لدى إسرائيل فرصة تاريخية لتحقيق هدفين استراتيجيين: طرد الفلسطينيين، وتدمير (تفكيك) إيران، ولن يتوقف نتنياهو حتى يفعل كل ما هو ممكن لتحقيق هذين الهدفين.
على هذه الخلفية، وقعت أرمينيا اتفاقية شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة يوم الثلاثاء، لتخرج أرمينيا أخيرا من فلك موسكو وتنضم إلى المعسكر الأمريكي.
وكان رئيس أذربيجان قد وصف أرمينيا في وقت سابق بأنها دولة فاشية ووعد “بفتح ممر زانغيزور”، الذي لن يربط أذربيجان فقط بجيب ناخيتشيفان عبر الأراضي الأرمينية، بل سيفتح طريقا لتركيا للوصول إلى المنطقة الناطقة بالتركية والغنية بالموارد، نحو الدول في آسيا الوسطى، أي إلى منطقة التوسع التركي كإمبراطورية متنامية.
إضافة إلى ذلك، لا ينبغي لنا أن ننسى أن غالبية الأذربيجانيين في العالم لا يعيشون في أذربيجان، بل في إيران، في المناطق المجاورة لأذربيجان. بمعنى أنه إذا انهارت إيران، فإن علييف قد يعمل على إنشاء دولة أذربيجان الكبرى، وسينشئ في الوقت نفسه جسرا تيوركيا يصل بين تركيا وآسيا الوسطى.
وبينما تقف أرمينيا في طريق تركيا وأذربيجان، فقد فقدت، على يد رئيس الوزراء نيكول باشينيان، وبفضل وعود وإيماءات واشنطن، الضمانات العسكرية التي قدمتها لها موسكو. لكن إيران أكدت مرارا وتكرارا أنها لن تتسامح مع أي انتهاكات للحدود الأرمينية.
بهذا نرى أن هناك طريقة موثوقة إلى حد ما لإشراك إيران في الحرب وهي العدوان على أرمينيا.
ولا أزال أعتقد أن الخطوة الإسرائيلية التالية الأكثر ترجيحا ستكون محاولة اغتيال مجهولة المصدر للقيادة الإيرانية، ولكن بطريقة تجعل أثر إسرائيل واضحا في غياب الاعتراف الرسمي، وبعد ذلك ستضطر طهران إلى الرد.
لكن الظروف تجعل الحرب في أرمينيا بديلا مناسبا تماما لإسرائيل. وإذا خسرت إيران الحرب الأرمينية الأذربيجانية، فقد تنهار نتيجة لأزمة داخلية، ما يمنح إسرائيل نصرا دون أي تكلفة. وإذا لم تهزم إيران، فإنها في كل الأحوال ستستنزف إلى حد كبير، ما سيسهل العمليات العسكرية الإسرائيلية ضدها.
لكن أسئلة ثلاثة لا تزال مطروحة:
الأول، هل تمتد طموحات أردوغان إلى حد القضاء على إيران كدولة؟ أعتقد ذلك، والأحداث في سوريا تتحدث لصالح هذه السردية.
فلا توجد حدود لطموحات أردوغان، الذي يتذكر أن قوات الإمبراطورية العثمانية، إلى جانب تتار القرم، أحرقت موسكو في عام 1571 (لكن في عام 1572، عندما كان الأتراك والتتار في هجوم عسكري جديد ينقلون بالفعل مسؤولين عثمانيين لحكم ولاية موسكو الجديدة، ألحق بهم الروس هزيمة ساحقة في معركة على بعد 30 كيلومترا من حدود موسكو اليوم). وهذا يعني أن الإمبراطورية التركية الجديدة المحتملة قد تتوسع في كافة الاتجاهات. فأردوغان يستلهم تاريخ أجداده.
ثانيا، هل من الممكن أن تدخل تركيا في صراع مع إيران بشكل مباشر؟ أعتقد ذلك، لكنها ستحاول ألا تتورط في ذلك على الفور.
لكن في هذه الحالة سيصبح موقف واشنطن بالغ الأهمية.
وهنا نصل إلى ثالثا، هل يستطيع أردوغان ونتنياهو أن يكونا حليفين تكتيكيين، لا سيما وأن نتنياهو سيضمن عدم تدخل واشنطن في الحرب إلى جانب أرمينيا؟ إن تقوية تركيا لا يفيد إسرائيل، لكن الصدام المباشر بين تركيا وإيران مفيد لإسرائيل، وفي هذه الحالة، برأيي، فإن الدعم لأنقرة من إسرائيل وإدارة ترامب مضمون.
علاوة على ذلك، فمن مصلحة إسرائيل توجيه التوسع التركي نحو آسيا الوسطى، بعيدا عن إسرائيل والشرق الأوسط.
على أية حال، تتمتع إسرائيل وأذربيجان بعلاقات ممتازة، ويتعاونان بما في ذلك في المجال العسكري، ويمكن لإسرائيل زيادة إمدادات الأسلحة إلى أذربيجان.
ولكن، هل تستطيع واشنطن أن تحرق حليفتها الجديدة أرمينيا من أجل مصالح إسرائيل ومصالحها الخاصة؟ لا يندرج السؤال السابق حتى تحت بند الأسئلة، بالطبع يمكن للولايات المتحدة أن تقوم بذلك.
وبطبيعة الحال، نحن نتحدث الآن عن مجرد احتمالات، ولكنني أرى أن مثل هذا السيناريو سيكون أنيقا ومفيدا للغاية لكل من إسرائيل وتركيا، بالتالي فهو محتمل تماما.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة “تلغرام” الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب