إن وفاة زعيم حزب الله، حسن نصر الله، تشكل لحظة مهمة في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، ولكن العواقب طويلة الأجل غير مؤكدة. ويثير هذا سؤالا رئيسيا: هل تؤدي “ضربات قطع الرأس” التي تقتل زعماء الجماعات المسلحة إلى شل حركتهم؟ والإجابة المختصرة هي لا.
يتعين على إسرائيل أن تعلم من تاريخها أن مثل هذه الضربات لا تنجح دائما في شل حركة جماعة مسلحة. ففي عام 2008، قتلت إسرائيل القائد العسكري لحزب الله، عماد مغنية، في دمشق، سوريا، ولكن الجماعة لم تكتسب قوتها إلا في السنوات التي تلت ذلك.
قبل أربع سنوات، قتلت إسرائيل مؤسس حماس، الشيخ أحمد ياسين، في غارة جوية. ومع ذلك، لم تنهار الجماعة، وبعد ما يقرب من عقدين من الزمان، نفذت هجمات السابع من أكتوبر في إسرائيل، مما أسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي في يوم واحد.
وفي الآونة الأخيرة، في يوليو، قالت إسرائيل إنها قتلت أحد العقول المدبرة لهجمات السابع من أكتوبر، محمد ضيف، وهو قائد عسكري رئيسي في حماس، ومع ذلك تواصل الجماعة المسلحة القتال في غزة.
وللولايات المتحدة تاريخها الخاص في قتل الزعماء على أمل أن يؤدي ذلك إلى شل حركة أعدائها. فعندما قُتل أبو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة في العراق، في غارة جوية أمريكية في عام 2006، تم التعامل مع ذلك باعتباره إنجازا كبيرا لأن تنظيم القاعدة في العراق كان يساهم بشكل كبير في الحرب الأهلية التي كانت تمزق البلاد آنذاك.
ومع ذلك، بعد ثماني سنوات، تحول تنظيم القاعدة في العراق في نهاية المطاف إلى تنظيم الدولة الإسلامية، الذي استولى على أراض بحجم البرتغال وترأس سكانا يبلغ عددهم نحو ثمانية ملايين شخص في العراق وسوريا. كما نفذ تنظيم الدولة الإسلامية هجمات إرهابية مدمرة في الغرب، على سبيل المثال، في باريس في عام 2015 أسفرت عن مقتل 130 شخصًا.
لم يكن ما أنهى “خلافة” داعش الجغرافية في الواقع ضربة موجهة إلى قياداتها، بل حملة برية ضد جيش الإرهابيين من عام 2014 إلى عام 2019، شنتها القوات العراقية وقوات كردية سورية بدعم من آلاف الجنود الأمريكيين وقوة جوية أمريكية كبيرة. وقد دمرت قاعدة داعش، ثاني أكبر مدينة في العراق، الموصل، إلى حد كبير خلال هذه الحرب.
وفي مايو 2016، أذن الرئيس باراك أوباما آنذاك بشن غارة بطائرة دون طيار في باكستان أسفرت عن مقتل الزعيم العام لحركة طالبان الملا أختر محمد منصور. ومع ذلك، تسيطر حركة طالبان اليوم على كل أنحاء أفغانستان.
وكذلك أمر الرئيس دونالد ترامب آنذاك بشن غارة في بغداد بالعراق في أوائل يناير 2020 أسفرت عن مقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني، والذي كان له دور حاسم في علاقات إيران بقواتها بالوكالة في المنطقة مثل حزب الله وحماس والحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق.
بعد مقتل سليماني، قال ترامب: “كان سليماني يخطط لهجمات وشيكة وشريرة على الدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين، لكننا ضبطناه متلبسا وقمنا بإنهائه”.
ولكن وفاته لم يكن لها تأثير دائم على قوة إيران الإقليمية وطموحاتها، وواصل حزب الله وحماس والحوثيون في اليمن هجماتهم على أهداف إسرائيلية، وواصلت الميليشيات الشيعية هجماتها على أهداف أمريكية في العراق.
إن ما قد يشل حركة أي جماعة مسلحة هو حملة مستمرة للقضاء على أكبر عدد ممكن من قادتها ومديريها المتوسطين. ووفقا لمؤسسة “نيو أميركا” البحثية (التي أشغل فيها منصب نائب الرئيس) فإن حملة الطائرات دون طيار التي شنتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في عام 2008 في المناطق القبلية الباكستانية المتاخمة لأفغانستان أسفرت عن مقتل العديد من زعماء تنظيم القاعدة.
وتظهر الوثائق التي استعادها جنود البحرية الأمريكية الذين قتلوا أسامة بن لادن في مجمعه في أبوت آباد بباكستان في عام 2011 أن زعيم تنظيم القاعدة كان يكتب بانتظام إلى أتباعه الذين يعيشون في المناطق القبلية في البلاد، ويحثهم على عدم التحرك إلا في الأيام الغائمة عندما تكون الطائرات بدون طيار أقل فعالية. ونتيجة لهذا، كان بن لادن يخطط لسحب كل أتباعه من المنطقة القبلية وإعادة توطينهم في أجزاء أخرى من باكستان.
لا شك أن مقتل بن لادن ساهم بشكل كبير في تقويض جاذبية القاعدة بين الإرهابيين وقدرتها على تنفيذ الهجمات، حيث كان بن لادن هو مؤسس المجموعة، وكان يوجه عملياتها الأكثر فتكا، وكان أعضاء المجموعة قد أقسموا يمين الولاء الشخصي له.
ولم يكن خليفة بن لادن، أيمن الظواهري، يتمتع بالكاريزما أو المهارات التنظيمية اللازمة لإحياء تنظيم القاعدة، كما قُتِل الظواهري نفسه في غارة بطائرة أمريكية دون طيار في أفغانستان قبل عامين. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو 400 عضو من تنظيم القاعدة يعيشون في أفغانستان اليوم.
وفي حين أن تنظيم القاعدة يشكل جماعة إرهابية صغيرة نسبيا، فإن حزب الله موجود منذ أربعة عقود من الزمان، وهو مدعوم من إيران، التي تشكل لاعبا رئيسيا في المنطقة ولديها جيش يتألف من نحو ثلاثين ألف جندي مسلحين بترسانة ضخمة، بما في ذلك نحو 150 ألف صاروخ وقذيفة.
ويعد مقتل نصر الله بمثابة جائزة لإسرائيل كجزء من موجة أكبر من الهجمات على حزب الله، والتي تكثفت في وقت سابق من هذا الشهر مع عملها السري الذي فجر الآلاف من أجهزة النداء وأجهزة الاتصال اللاسلكية، تلاه غارات جوية ضخمة استهدفت البنية الأساسية وكبار القادة الآخرين.
ولكن من المبكر للغاية أن نستبعد هذه الجماعة المسلحة. ويشير التاريخ إلى أنها سوف تعيد تنظيم صفوفها وتعين زعماء آخرين لمواصلة كفاحها الطويل ضد إسرائيل.
المصدر: CNN
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب