لقد وضع ترامب وماسك الأمريكيين أمام خيارين قاسيين؛ فإما أن تحب الدمار الشامل والدوس على الدستور من قبل وزارة الكفاءة بقيادة ماسك، أو أن تدعم إبقاء الحكومة كما هي. لكن هذان الخياران فاشلان، وعلى الديمقراطيين أن يطالبوا بإصلاح الأمور بالفعل كخيار ثالث.
فكيف يمكن استخدام المنطق للسعي نحو الخيار الثالث؟
في السنوات الأخيرة، هبطت الثقة في المؤسسات، بما في ذلك الحكومة، إلى مستويات منخفضة غير مسبوقة. وفي الوقت نفسه، ظلت نسبة الأمريكيين غير الراضين عن الطريقة التي تتجه بها البلاد مرتفعة. وكان إحباط الناخبين من الوضع الراهن (اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا) وحثهم على حرق كل شيء هو السبب وراء فوز ترامب في نوفمبر.
ومن الواضح أن هناك كثير من المشاكل في الحكومة؛ فبعض البنية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات الفيدرالية تعود إلى عصر الديسكو. ومن الصعب فصل الموظفين ذوي الأداء الضعيف وتوظيف بعض أفضل المواهب. وتفرض الحكومة الكثير من القواعد التنظيمية غير المجدية التي تجعل من الصعب على الشركات البناء والتخطيط والنمو، وهناك أمثلة مختلفة على الهدر الحكومي. ولكن الدمار الذي أحدثه ترامب وماسك لا يشكل بأي حال من الأحوال علاجاً لهذه القضايا.
ومهما كانت البيروقراطية الحكومية منتفخة، فإن الحل لا يكمن في إقالة مفتشي الأسلحة النووية، أو موظفي برنامج “هيد ستارت”، أو ضباط إنفاذ القانون، أو مراقبي الحركة الجوية دون تمييز. وأبرز مثال كان حين طرد ترامب مئات الموظفين في إدارة الطيران الفيدرالية إثر حوادث تحطم طائرات مميتة. وهناك تصرف آخر غير حكيم لترامب حين منح ماسك ورجاله في وزارة الدفاع حق الوصول إلى نظام المدفوعات الحساس لوزارة الخزانة أو بيانات دافعي الضرائب الشخصية من أجل الحد من “الهدر والاحتيال والإساءة”.
وعلى نحو مماثل، عندما أعرب الناخبون الأمريكيون عن إحباطهم إزاء تكاليف الرعاية الصحية، فمن المفترض أنهم لم يكونوا يسعون إلى خفض التمويل المخصص لأبحاث السرطان. ولم يصوتوا لصالح قيام وكالات الصحة العامة بقمع الأبحاث المتعلقة بإنفلونزا الطيور أو طرد متتبعي الأمراض في خضم تفشي إنفلونزا الطيور والحصبة. أو إزالة المواد الدعائية الخاصة بحملات لقاح الإنفلونزا الموسمية من المواقع الإلكترونية الحكومية مع ارتفاع معدلات دخول المرضى إلى المستشفيات بسبب هذا المرض إلى أعلى مستوياتها منذ خمسة عشر عاماً.
ورغم انزعاج بعض الأمريكيين من “التنوع والإنصاف والإدماج” وفرض الرقابة على التعبير، إلا أن تصحيح المشكلة لا يعني حرمان الصم من خدمات ترجمة لغة الإشارة، أو تطهير المعلمين الذين يساعدون الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، أو حذف البيانات الممولة من دافعي الضرائب حول الأفكار الانتحارية بين المراهقين، أو وقف الاعتراف بيوم ذكرى الهولوكوست في البنتاغون.
يعتقد الأمريكيون عموماً أننا ننفق الكثير من المال على المساعدات الخارجية (على الرغم من أن المساعدات الخارجية تمثل 1% من إجمالي الإنفاق الفيدرالي). ومع ذلك، لم يصوت الأمريكيون لصالح السماح بإفساد ما يقرب من 500 مليون دولار من الأغذية التي يزرعها المزارعون الأمريكيون بسبب إغلاق ماسك لبرامج المساعدات الغذائية الدولية. كما لم يصوتوا على تعليق برامج مكافحة الإرهاب في غرب أفريقيا والشرق الأوسط.
ولم يكن الأمريكيين ليصوتوا لترامب لو علموا أنه كان يعمل على إلغاء تصاريح العمل للمهاجرين الذين يعملون هنا بشكل قانوني، بما في ذلك أولئك الذين يعملون كعمال مزارع ومساعدين صحيين منزليين.
أعتذر إذا كان استعراض هذا الدمار قاسيا، لكن يبدو أن الدمار ساحقًا، فهو “يغمر المنطقة” بكثير من الفوضى لدرجة أنه من المستحيل على البشر العاديين – أولئك الذين ليس لديهم ما يكفي من كراهية الذات لمتابعة الأخبار على مدار الساعة.
إن ترامب وأنصاره يطلقون سرديات مدمرة في نقاط نقاش سهلة وفيها كثير من التسطيح والغموض. بينما وضعت المنظمات ذات المنطق السديد خططاً عملية لإصلاح الأمور. فعلى سبيل المثال، وضعت شراكة الخدمة العامة خططاً مدروسة لإصلاح الخدمة المدنية الفيدرالية وتحديث تكنولوجيا المعلومات الحكومية. كما عرضت هيئة المفتشين العموميين ومكتب المحاسبة الحكومية ومؤسسات أخرى خططاً مفصلة لإصلاح الوكالات وإنفاقها.
إن هذه الإصلاحات غالبا ما تكون تقنية ومملة ــ وهي بالتأكيد أقل جاذبية من التدمير الذي يقوده ترامب وماسك. وربما يكلف بعض الإصلاحات أموالا في الأمد القريب. ولكن لابد أن تكون جزءا من الرسالة التي يسمعها الناخبون مرارا: إن ترامب يحطم الوضع الراهن، ولكنه لا يصلح المشاكل التي تهمك. بل إنه يخلق مشاكل جديدة أكثر رعبا.
المصدر: واشنطن بوست
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب