تحت هذا العنوان كتبت كارين كفياتكوفسكي* مقالا تقارن فيه بين وفاة المعارض الروسي أليكسي نافالني في السجون الروسية ووفاة الصحفي الأمريكي غونزالو ليرا.
وجاء في المقال المنشور على موقع LewRockwell:
توفي أليكسي نافالني، الذي ينظر إليه بوصفه “مؤيدا للديمقراطية والشفافية ومكافحا للفساد”، عقب عودته من التجول في سجنه السيبيري. كان يقضي عقوبة طويلة، أثارت غضب إدارة بايدن: فقد أدانه القضاء الروسي بارتكاب عدة جرائم، بما في ذلك الاحتيال والاختلاس و”التحريض على الأنشطة المتطرفة”، و”إعادة تأهيل الأيديولوجية النازية”.
أنا على ثقة من أن دونالد ترامب سيجد في الفقرة السابقة ما يثير السخرية.
ويأتي حبس نافالني مؤخرا في سيبيريا في أعقاب سجن ووفاة، غونزالو، ليرا، أحد الناشطين المؤيدين للديمقراطية والشفافية ومكافحة الفساد في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوكرانيا، والذي توفي بسبب التهاب رئوي لم يتم علاجه في أحد السجون الأوكرانية، وهو مواطن أمريكي يبلغ من العمر 55 عاما، متزوج وأب لطفلين، وكان يعمل صحفيا ومعلقا. وقد اتهمته كييف، دون تحديد موعد أو خطة للمحاكمة، بـ “تبرير العدوان الروسي على أوكرانيا”، وقيل إن ليرا انتهك القانون الجنائي الأوكراني، وهو القانون الذي كان كل من لينكولن وويلسون وفرانكلين روزفلت يطبقونه بحماس.
وقد انتقد ليرا ونافالني حكومات معينة وأزعجاها. وقد فعل أحدهما ذلك كسياسي، بدعم عدد من الدول التي اتخذت من الدعوة إلى تغيير النظام في روسيا نهجا سياسيا، وانتقد الآخر الحكومة الأوكرانية، بسبب قصفها الذي دعمته الولايات المتحدة على منطقة دونباس الانفصالية، ورفضها الالتزام باتفاقيات مينسك، وتوجهها النازي داخل الجيش والحكومة، وجهودها للانضمام إلى “الناتو”. كما تحدث ليرا عما رآه خلال السنوات القليلة الماضية من الحرب، وكيف يتم استنزاف مليارات الدولارات الغربية وإزهاق مئات الآلاف من الأرواح، وتشريد ما يقرب من نصف سكان أوكرانيا، بسبب دائرة سياسية مفرغة عام 2024، ترفض بموجبها كييف وقيمتها الأمريكية التفاوض مع بوتين.
وكانت حكومة الولايات المتحدة متورطة في مصير هذين الرجلين، فقد تلقى نافالني دعما مستمرا وتمويلا ودعاية إعلامية من الغرب، على أمل تغيير النظام في روسيا، أما بالنسبة لليرا، فقد كان مواطنا أمريكيا بالولادة (ولد في كاليفورنيا) وباعتباره أمريكيا، فقد كان مستحقا للدعم القانوني والرعاية الاجتماعية من سفارة الولايات المتحدة في كييف. وبدلا من الدعم، تعرض للسخرية على الصفحات الأولى لوسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة بسبب تقاريره كشاهد عيان من داخل أوكرانيا، ولم يتلق أي دعم مالي أو أي نوع آخر من الدعم لأنه كان أحد الأصوات الأمريكية الموضوعية القليلة التي كانت تراقب الأحداث وتقدم التقارير عن هذه الحملة العسكرية بالوكالة المكلفة والمدمرة في آن. وبرغم أن السفارة الأمريكية في كييف كبيرة الحجم ومزودة بطاقم عمل جيد، إلا أنها لم تقل سوى القليل، وقامت بالأقل من أجل غونزالو ليرا.
إن موازين القيم الأخلاقية المقلوبة في واشنطن تتجلى بوضوح، إلا أننا نرى في هذين المثالين العرضيين لرجلين في منتصف العمر، يعمل كلاهما على فضح الأخطاء الحكومية، إلا أن ملايين الدولارات تنفق على علاقة أحدهما مع العديد من القادة الأوروبيين وحلف “الناتو”، ووكالات الاستخبارات (كما يوضح هذا الفيديو). لم يحتف الغرب سوى بواحد من هذين الرجلين، بما في ذلك دعا زوجته لحضور مؤتمر ميونيخ للأمن الذي استمر ثلاثة أيام، إلى جانب نائب رئيس الولايات المتحدة وقيادات الاتحاد الأوروبي الرئيسية. أحد الرجلين فقط كان “بطلا ديمقراطيا”.
للإفادة، أسوق بعض السطور التي لا تنسى، كما نقلتها “رويترز”، نيابة عن نافالني:
كتبت والدة نافالني، ليودميلا نافالنايا: “لا أريد أن أسمع أي تعاز. رأيناه في السجن يوم 12 فبراير بأحد الاجتماعات. كان حيا وبصحة جيدة وسعيدا”. من الواضح والمتوقع ألا تقبل ما يتم الإبلاغ عنه، ومن المهم أن نلاحظ أن نافالني بدا سعيدا. أما من والد ليرا المذهول فقد سمعنا ما يلي: “لا أستطيع قبول الطريقة التي مات بها ابني. لقد تعرض للتعذيب والابتزاز، واحتجز بمعزل عن العالم الخارجي لمدة 8 أشهر و11 يوما، ولم تفعل السفارة الأمريكية شيئا لمساعدة ابني”.
وفي حديث لـ “رويترز”، وصف دميتري موراتوف، رئيس تحرير إحدى الصحف الروسية، والحائز لجائزة نوبل للسلام لعام 2021، الوفاة بأنها “جريمة قتل”، وتابع أنه يعتقد أن ظروف السجن أدت إلى وفاة نافالني. وفي عام 2022، باع موراتوف جائزة نوبل الخاصة به وأعطى العائدات لمنظمة اليونيسيف لتوزيعها لدعم اللاجئين الأوكرانيين. وذكر أنه كان يفضل منح الجائزة لنافالني. بالمثل، يعتقد أصدقاء وعائلة غونزالو ليرا أيضا أن وفاته كانت جريمة قتل، لم يكن ليرا متزوجا من مواطنة أوكرانية فحسب، بل كان أيضا أبا لمواطنين أوكرانيين، بل وقد أبلغ مرارا وتكرارا عن الظروف المروعة والأذى الذي لحق بالأوكرانيين داخل أوكرانيا، وفي “مفرمة اللحم” على أرض المعركة. لكن، وبطريقة ما، لم تكن هناك جوائز نوبل للبيع بالمزاد العلني، ولم تكن هناك أي صحف في الغرب مهتمة بذلك.
وقد قدم وزير الخارجية الأمريكي بلينكن، المسؤول عن جميع السفارات الأمريكية، تعازيه لأسرة نافالني، وقال: “إن وفاة نافالني في سجن روسي والهوس والخوف من رجل واحد لا يؤدي سوى إلى إبراز الضعف والتعفن في قلب النظام الذي بناه بوتين. وروسيا مسؤولة عن ذلك”. لكن من الغريب أنني لا أستطيع العثور على أي مكان يتحدث فيه بلينكن عن اعتقال ليرا المتكررة، وسوء معاملته، ووفاته في نهاية المطاف على أيدي الحكومة الأوكرانية، ومدى صعوبة محاولته، كوزير للخارجية، منع ذلك.
كذلك أشار الرئيس الفرنسي ماكرون إلى أنه “في روسيا اليوم، يتم وضع الأرواح الحرة في معسكرات العمل، ويحكم عليها بالإعدام”. وأنا أشك في أن ماكرون سمع عن غونزالو ليرا، وربما عرف بحالته. كان غونزالو يتمتع هو الآخر بروح حرة، وروح جريئة وشجاعة، وتم وضعه في معسكرات العمل الأوكرانية دون أن ينطق بجملة واحدة من الغضب الفرنسي بالشعر أو بغيره.
وقال المستشار الألماني أولاف شولتس: “التقيت نافالني هنا في برلين عندما كان يحاول التعافي في ألمانيا من محاولة تسميمه وتحدثت معه أيضا عن الشجاعة الكبيرة التي تتطلبها العودة إلى بلاده. وربما دفع الآن حياته ثمنا لهذه الشجاعة”. ينبغي لشولتس، الذي ضحى باقتصاد بلاده بأكمله في المستقبل البعيد بموافقته الصامتة الإجرامية على تدمير الولايات المتحدة لخطوط أنابيب “السيل الشمالي”، من بين أمور أخرى، أن يدلي بتعليقه على الشجاعة من داخل زنزانة سجن ألماني، من أجل ألمانيا.
اما وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك فقد غردت قائلة: “مثل أي شخص آخر، كان أليكسي نافالني رمزا لروسيا الحرة والديمقراطية. وهذا بالضبط السبب الذي دفعه إلى الموت”. وباعتباره أحد الأصول المشتبه بها في وكالة الاستخبارات المركزية أو الاستخبارات البريطانية MI-6 فإن وفاة نافالني، وكذلك حياته، لا تزال تخدم الأجندة الغربية. يتساءل المرء هنا عما إذا كانت أنالينا بيربوك، المشهورة بتصريحاتها غير المقصودة والمحرجة أحيانا عن الحقيقة، قد فعلت ذلك مرة أخرى على هذا النحو.
وصرح زيلينسكي، متحدثا في نفس مؤتمر ميونيخ الأمني هذا الأسبوع قال: “الأمر واضح: لقد قتل (نافالني) على يد بوتين، بينما تعرض آلاف آخرون للتعذيب والاستشهاد على يد هذا (المخلوق) الوحيد. ولا يهتم بوتين بمن يموت طالما ظل يحتفظ بمنصبه. ولهذا لا ينبغي له أن يحتفظ بأي شيء. يجب أن يخسر بوتين كل شيء ويحاسب على ما فعله”. وبالنظر إلى ما نعرفه عن حظر الكنائس، وحرية التعبير، والتوجهات النازية، وتعليق كل الأحزاب السياسية المعارضة، والانتخابات الأوكرانية في عهد زيلينسكي المدعوم من الولايات المتحدة، فإنه يثبت نفسه، مرة أخرى، كنرجسي ممل، يجسد الخبث.
وسارع رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي شارل ميشيل إلى جانب عدد من رؤساء دول الاتحاد الأوروبي إلى تحميل بوتين مسؤولية وفاة نافالني: “لقد ناضل أليكسي نافالني من أجل قيم الحرية والديمقراطية. ومن أجل مثله العليا، قدم التضحية القصوى. ويحمل الاتحاد الأوروبي النظام الروسي وحده المسؤولية عن هذا الموت المأساوي”. إن اللغة الدرامية هنا تكاد أن تشبه قصر فرساي في مطلقها.
كذلك غردت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بالأهمية الحقيقية لهذه الوفاة قائلة: “إنه تذكير قاتم بما يدور حوله بوتين ونظامه. دعونا نتحد في معركتنا لحماية حرية وسلامة أولئك الذين يجرؤون على الوقوف ضد الاستبداد”. ماذا عن دعونا جميعا نصلي من أجل تحقيق درجة من الوعي الذاتي لدى المفوضية الأوروبية الحاكمة ومبنى الكابيتول الإمبراطوري الأمريكي، إن القتال ضد الاستبداد هو في الواقع ما يجب علينا جميعا فعله، بدءا من الداخل، ومقاومة المركزية المفرطة، والتفويضات العالمية، والمستبدين في كل مكان، أينما كانوا.
وقد أبدى الأمين العام لحلف “الناتو” ينس ستولتنبرغ ملاحظة حكيمة: “نحن بحاجة إلى إثبات كل الحقائق، ويتعين على روسيا أن تجيب على جميع الأسئلة الجادة حول ظروف وفاته”. وبينما لم تفعل الولايات المتحدة أي شيء بشكل مخز لحماية حقوق أو حياة مواطنها غونزالو ليرا، وكانت وسائل الإعلام الغربية تمزح وتحتفل بوفاته، كان ينبغي تقديم توصية ستولتنبرغ وتنفيذها، بمجرد اكتشافنا أن ليرا توفي في حادث السجن في خاركوف.
إن أولئك الذين تخشاهم الحكومات أكثر هم الأكثر عرضة للخطر، والولايات المتحدة غنية بالأمثلة: جوليان أسانج، إدوارد سنودن، جيفري إبستاين، سيث ريتش، جون إف كينيدي، شقيقه روبرت، ومئات الأشخاص الذين حضروا لقراءة فرز الأصوات في السادس من يناير ليتم تعقبهم واعتقلوا حتى يتعفنوا في انتظار المحاكمة في سجون العاصمة وآلاف غيرهم، لا نعرف حتى أسماءهم. القائمة طويلة، وكلنا نعرف شخصا ما في هذه القائمة، إن أولئك الذين يتحدون بشكل فعال خطابات الدولة وأهدافها يعرضون أنفسهم للخطر دائما.
تحتاج الحكومات غير الديمقراطية في مرحلة ما بعد الجمهورية دائما إلى اضطهاد وقتل أعدائها السياسيين. وبدلا من قبول مثل هذه الحكومات أو التسامح معها، ينبغي علينا أن نعمل على فضحها وقهرها وطمسها، بدءا وانتهاء بالحكومات التي نعرفها أفضل: حكومتنا.
* كارين كفياتكوفسكي: مقدم متقاعد من القوات الجوية الأمريكية، ترشحت للكونغرس في المنطقة السادسة بولاية فرجينيا عام 2012، وهي زميلة في شبكة “أيزنهاور” الإعلامية، وباحثة مشاركة في معهد “ميزس”.
المصدر: LewRockwell
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب