كان الملك ألفونسو السادس في ذلك الوقت يشن حملة قوية للقضاء على الوجود العربي في الأندلس، وكان يمر وقتها بمرحلة ضعف وتشتت خطيرة فيما عرف بحقبة “دويلات الطوائف”.
في عام 1086، كانت قوات مملكة قشتالة وليون، إضافة إلى أراغون تحاصر سرقسطة، وتهدد دويلات الطوائف الأخرى بما في ذلك بطليوس، على الحدود الحالية بين إسبانيا والبرتغال.
كان ألفونسو السادس، ملك قشتالة وليون، منشغلا في حصار سرقسطة حين وصلته أنباء عبور يوسف بن تاشفين مع جيشه المضيق وتوغله في الاندلس. ترك ملك قشتالة الذي تسميه المصادر الإسلامية وقتها ” أذفنش” حصار سرقسطة وهرع سريعا إلى طليطلة، وقام على عجل باستدعاء قواته من المقاطعات.
ملك قشتالة وجد نفسه في موقف صعب، وكان يعي قوة وخطورة الخصم الجديد القادم من شواطئ المغرب، لذلك طلب المساعدة من ملوك المناطق الإسبانية الأخرى وخاصة من سانشو راميريز، ملك أراغون.
التعزيزات وصلت إليه كما يعتقد المؤرخون الإسبان، حتى من خارج جبال البرانس، ما أشاع شعورا بالثقة في نفس ألفونسو السادس بإمكانية وقف تقدم قوات يوسف بن تاشفين.
كانت رسائل طلب النجدة الموجهة إلى مؤسس دولة المرابطين، يوسف بن تاشفين من قبل عدد من ملوك دول الطوائف في الأندلس تتوالى منذ عام 1075. في آخر المطاف حزم مؤسس دولة المرابطين أمره وعبر إلى شبه جزيرة أيبريا لنصرة إخوانه في الدين.
لبى يوسف بن تاشفين دعوة أمراء إشبيلية وبطليوس وغرناطة، وعبر بقواته المضيق وتوجه شمالا عبر إشبيلية.
مؤسس دولة المرابطين كتب عن هذا الأمر في رسالة كان بعث بها إلى المعز بن باديس في المهدية بتونس، قائلا: “فجمعنا عساكرنا وسرنا إليه (يقصد ألفونسو السادس)”.
التقى الجيشان في “الزلاقة” والتي تعرف في المصادر الإسبانية باسم “ساغراجاس” بالقرب من بطليوس، وفي هذا المكان جرت هذه المعركة التي تعد الأكبر من نوعها في شبه جزيرة أيبريا في ذلك الوقت.
سلاح الفرسان في قوات يوسف بن تاشفين تمكن من ضرب مؤخرة القوات التي كان يقودها الملك ألفونسو السادس وبحلول المساء انتهت المعركة بهزيمة ثقيلة لملك قشتالة وحلفائه.
يذكر مؤرخون إسبان أن تقديرات تشير إلى أن القتلى في صفوف قوات ألفونسو قد بلغت بنهاية المعركة ستين ألفا، “وأن مائة فارس فقط تمكنوا من الوصول إلى بر الأمان والفرار من ساحة المعركة. تأثر يوسف بشدة عندما أدرك حجم المجزرة، وحتى ألفونسو السادس نفسه عانى من رمح اخترق ساقه وانغرس ملتصقا بفخذه “. ألفونسو السادس بقي بعد هذه الإصابة يعرج حتى آخر حياته.
مؤرخون إسبان يصفون معركة الزلاقة بأنها من أعنف المعارك، مشيرين إلى أن العامل الحاسم في انتصار المسلمين يتمثل في عدد وانضباط جيش ابن تاشيفين، علاوة على قوته الضاربة المتمثلة في سلاح الفرسان الخفيف.
معركة الزلاقة كانت مصيرية وقد أوقفت لفترة من الوقت الحقبة التي تعرف بـ “الاسترداد المسيحي”، كما انقذت المدن الأندلسية الإسلامية مثل إشبيلية وقرطبة وبلنسية من السقوط في القرن الثالث عشر.
يوسف بن تاشفين كتب يصف معركة “الزلاقة” التي قادها قائلا: “فحملوا علينا كالسهام، فثبتَ الله أقدامنا، وقوى أفئدتنا، والملائكة معنا، والله تعالى ولي النصر لنا، فولَوا هاربين، وفروا ذاهبين، وتساقط أكثرهم بقدر الله تعالى دون طعنة تلحقه، ولا ضربة تثخنه، وأضعف الرعب أيديهم، فطعناهم بالسمهرية دون الوخز بالإبر، وضاقت بهم الأرض بما رحبت”.
وعن خسائر قوات المسلمين في تلك العركة المشهودة كتب قائلا: “لم يستشهد منا إلا الفرقة التي قدر الله عليها بذلك، وقدرنا أن الكل منهم هلك لقلَة معرفتهم وجهالتهم بقتال النصارى، وتراميهم للشهادة، قدس الله أرواحهم، وكرم مثواهم وضريحهم، وجعل الجنة ميعادا بيننا وبينهم، وفقدنا من أكابرنا نحو عشرين رجلا ممن شهدت نجدته في المغرب، وانقلبت خير منقلب”.
المصدر: RT
إقرأ المزيد
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});