حين أمرها الفرنسيون بالصعود إلى سفينة متجهة إلى الجزائر، صاحت ملكة مدغشقر رانافالونا الثالثة وهي تغالب دموعها قائلة: “بالأمس كنت ملكة، واليوم أنا مجرد امرأة تعيسة بقلب محطم”.
سلطات الاستعمار الفرنسي كانت نفضت يدها تماما من ملكة مدغشقر رانافالونا الثالثة قبل ذلك في 28 فبراير عام 1897 وأجبرتها على التنازل عن العرش ثم أبعدتها وحاشيتها إلى جزيرة ريونيون، ومن هناك بعد عامين قامت بنفيها إلى الجزائر.
فرنسا سال لعابها على مدغشقر منذ ثمانينيات القرن 18، وقامت قواتها بانتظام بشن هجمات على هذه الجزيرة الساحرة الواقعة في المحيط الهندي قبالة الساحل الشرقي للقارة الإفريقية.
حاولت الملكة رانافالونا الثالثة خلال فترة حكمها مقاومة المخططات الاستعمارية الفرنسية وإبعاد أطماع فرنسا عن بلادها بتعزيز العلاقات التجارية والدبلوماسية مع قوى أوروبية أخرى، إلا أن كل ذلك لم يجد نفعا واشتدت حرب غير متكافئة بين الطرفين.
الجنرال الفرنسي المقيم في الجزيرة حينها قدم إلى الملكة رانافالونا الثالثة مسودة معاهدة جديدة في سبتمبر 1894، نصت بنودها على نقل السيطرة على السياسة الخارجية والداخلية في البلاد إلى السلطات الفرنسية، والسماح بدخول القوات المسلحة إلى مدغشقر بالقدر الذي تراه الحكومة الفرنسية ضروريا، فما كان لسلطات مدغشقر إلا رفض تلك الشروط الظالمة بشكل قاطع، لتستأنف الحكومة الفرسية عقب ذلك عملياتها العسكرية لاحتلال الجزيرة.
الهجمات الفرنسية تواصلت بشدة على مدن الموانئ الساحلية وأدت الغارات الفرنسية على العاصمة أنتاناناريفو بنهاية المطاف إلى الاستيلاء على القصر الملكي في عام 1895، لتنتهي بذلك سيادة واستقلال هذه المملكة العريقة.
مقاومة سكان مدغشقر للاحتلال الفرنسي تواصلت ولم يجد نفعا محاولة الفرنسيين الإبقاء على الملكة واستغلال نفوذها في إحكام سيطرتهم على البلاد، واستمرت حرب العصابات في الجزيرة ضد المستعمرين حتى عام 1904.
سلطات الاحتلال الفرنسي قررت في صيف عام 1896 إلغاء جميع الاتفاقيات التي كانت أبرمتها سابقا مع الملكة، وتم ضم مدغشقر بموجب قانون صادر عن البرلمان الفرنسي، وزاد الفرنسيون على ذلك بخلع الملكة ذاتها في فبراير 1897، ونفيها مع حاشيتها إلى جزيرة ريونيون.
علاوة على ذلك قسمت سلطات الاحتلال الفرنسي مدغشقر إلى مناطق عسكرية، وفرضت فرنسا سلطتها المطلقة على السكان.
حين نُفيت الملكة رانافالونا الثالثة إلى جزيرة ريونيون في عام 1897 كان بين افراد حاشيتها أميرة تبلغ من العمر 14 عاما. هذه الأميرة قام باغتصابها جندي فرنسي وكانت في ذلك الوقت حاملا في شهرها السابع.
بعد يومين من وصول المنفيين إلى جزيرة ريونيون الواقعة إلى الشرق من مدغشقر، أنجبت الأميرة المغتصبة طفلة وماتت أثناء الولادة، فقامت الملكة التي لم يكن لها أطفال بتبني المولودة الجديدة.
مع تواصل مقاومة السكان المحليين في مدغشقر، قررت سلطات الاحتلال الفرنسي في عام 1899 نفي الملكة رانافالونا الثالثة مجددا وهذه المرة إلى مكان أبعد، وقامت بترحيلها إلى الجزائر.
هذه الملكة الأخيرة في تاريخ مدغشقر، توصف في الغرب بأنها ” كانت تحب شراء الملابس والمجوهرات من بيوت الأزياء الراقية الفرنسية”، وكانت تحلم أن تعيش في باريس.
السلطات الفرنسية سمحت للملكة رانافالونا الثالثة بزيارة باريس للتسوق مرة واحدة وكان ذلك في عام 1901، لكنها لم تسمح لها قط بالعودة إلى بلادها مدغشقر حتى وفاتها في الجزائر عام 1917.
هذه الملكة الأخيرة تمكنت من العودة إلى مدغشقر بعد وفاتها، حيث نقل جثمانها في نوفمبر 1938 إلى العاصمة أنتاناناريفو، وأعيد دفنها هناك.
أما آخر مرشح لعرش مدغشقر، وهي الأميرة ماري لويز التي ولدت بعد اغتصاب والدتها من قبل جندي فرنسي، فقد رُحلت من الجزائر إلى فرنسا، وعاشت يتيمة بمعاش هزيل خصصته لها الحكومة الفرنسية إلى أن توفيت في عام 1948 ودفنت في إحدى ضواحي باريس من دون أن تنجب، فانتهت بذلك هذه السلالة الملكية.
المصدر: RT
Source link