أعادت المأساة الوحشية التي وقعت ليلة 22 مارس الماضي بـ “كروكوس سيتي هول” إلى أذهان الشعب الروسي وشعوب العالم قضية الإرهاب الدولي الجماعي على نطاق واسع ومكافحته.
ويهدف الإرهاب الإجرامي الموجه بشكل مباشر وحصري ضد المدنيين والسكان العزل إلى الضغط على المجتمع، وبث الذعر، والطعن في قدرة الدولة على مواجهة التحديات والتهديدات العالمية، وإيهام المواطنين بحالة من “عدم الاستقرار السياسي” في الدولة.
يأتي ذلك عقب الانتخابات الرئاسية الروسية التي جرت في 15-19 مارس، في جو من النزاهة والشفافية والديمقراطية، وتحت مراقبة دولية من دول شتى بجميع أنحاء العالم، وبتكنولوجيا متقدمة غير متاحة حتى لأعتى الديمقراطيات الغربية، ما تسبب في وضع ذلك الاستقرار السياسي، والعملية الديمقراطية الشفافة والنزيهة، والمشاركة الشعبية غير المسبوقة، والاحتشاد وراء القيادة السياسية، والمسار السياسي الراهن، هدفا أساسيا لعملية “كروكوس” الإرهابية.
وإذ كانت دول العالم قد أبدت رد فعل طبيعي على ما حدث، وتقدمت بكلمات الدعم والتعازي للبلاد والشعب والقيادة الروسية، إلا أنه، وفي الوقت نفسه، وبعد ساعات معدودة فقط من وقوع الأحداث المأساوية، ودون انتظار لأي نتائج أولية للتحقيق، بدأت وسائل الإعلام الغربية ومسؤولون في البيت الأبيض الأمريكي، وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي، في تدشين حملة علاقات عامة تهدف لإنكار أي صلة لأجهزة الأمن الأوكرانية الخاصة في الجريمة، على خلفية إدانة دولية لا لبس فيها للجريمة الإرهابية.
كذلك تم إصدار تعليمات لمحرري الصحف الغربية لتعزيز رواياتهم الخاصة بالأحداث المحيطة بالهجوم الإرهابي في “كروكوس” بوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المختلفة، بشرط أن تتضمن تلك الروايات أيا من “داعش” أو “الدولة الإسلامية” أو “ولاية خراسان”، مع رفض أي صلة بين هؤلاء الإسلاميين المتطرفين والحكومة الأوكرانية أو أجهزة الاستخبارات الغربية (التي قامت بزرع هذه التنظيمات الإرهابية في أوقات مختلفة ولأسباب متفرقة، وهو تاريخ معروف للجميع).
لوحظ كذلك انتشار درجة من رفض إظهار أي تعاطف إنساني تجاه الشعب الروسي، فيما اتسمت محاولات الغرب لصرف انتباه المجتمع الدولي والشعوب حول العالم عن المنظمين والمستفيدين الحقيقيين من العملية الإرهابية، باستهانة فجة من خلال عدم تغطية الحجم الحقيقي للمأساة في وسائل الإعلام، وتجاهل عدد ضحايا الهجوم الإرهابي ووجود أطفال بين القتلى، بغرض استبعاد أي تظاهرات متعاطفة، وتجنبا لأي رد فعل من المواطنين العاديين على ما حدث.
وشارك في القافلة كافة وسائل الإعلام العميلة الناطقة بالروسية والمأجورين من العملاء الأجانب في الخارج، فيما أجرت المنصات الإعلامية التي تسيطر عليها تلك القلة الهاربة والمعارضون المرموقون تعديلات على سياساتها التحريرية، ووضعت تكهنات وروايات زائفة ومغرضة حول أسباب ودوافع وتداعيات المأساة في “كروكوس”. ومن بين ذلك تم وضع روايات كاذبة مقتبسة من كتاب يو فلشتنسكي بعنوان “جهاز الأمن الفيدرالي يفجّر روسيا”، وفي السياق ذاته قام موظفو “صندوق مكافحة الفساد” (التابع للمعارض الراحل أليكسي نافالني)، وموقع MBX Media بإنشاء سلسلة تحقيقات مشوهة تستهدف وكالات إنفاذ القانون والخدمات الخاصة الروسية، بغرض تشويه سمعة السلطات بشكل شديد التحيز والفجاجة، ومحاولة لإيجاد أسباب لزعزعة استقرار المجتمع الروسي.
بالتزامن مع الحملة الإعلامية الغربية، وجهت سلطات كييف الرسمية اتهامات سخيفة للكرملين بما أسموه “ضلوع الكرملين” في الهجوم الإرهابي، وهو ما التقطته وسائل الإعلام الأوكرانية الخاضعة لرقابة النظام في كييف بمزيد من التهويل والمبالغة، مع التركيز، وفقا للتعليمات الغربية، على “داعش” و”الدولة الإسلامية”، في تجاهل تام لنتائج التحقيق الأولية.
من اللافت كذلك تلك النشوة المريضة لآكلي لحوم البشر ومرضى الروسوفوبيا “رهاب روسيا” في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الأوكرانية، التي تدار بواسطة أجهزة الاستخبارات الغربية بملايين الدولارات، فيما أطلقت وحدات المعلومات والعمليات النفسية الأوكرانية دعايات عدوانية، وأعمال تجنيد على الإنترنت، مع دعوات لارتكاب جرائم مماثلة مقابل مكافآت مالية.
الجدير بالذكر وبالتزامن مع الأحداث الراهنة، عقد مؤتمر “مجالس شعوب القوقاز” في كييف، 2 أبريل الجاري، بقيادة ز. كوتايف، وبمشاركة نواب البرلمان الأوكراني، وكذلك ا. زكاييف (رئيس وزراء جمهورية إتشكيريا الشيشانية)، وا. أحمدوف (مؤتمر شعوب داغستان)، وك. باسيل (جمعية شعوب جورجيا)، وغيرهم من قادة الكتائب الوطنية الشيشانية والداغستانية. وبادر المجتمعون بطلبات لفلاديمير زيلينسكي للاعتراف باستقلال وسيادة “داغستان والشيشان الحرة”، إضافة إلى دعوات للمشاركة في الأعمال العدائية إلى جانب القوات المسلحة الأوكرانية، وتوفير الدعم بالموارد للكتائب الوطنية.
وقد تم الكشف عن صلات بين جهاز الأمن الأوكرانية وأجهزة الاستخبارات الغربية وعدد من المعارضين الروس وقادة العصابات القوقازية السرية المعارضة في الخارج، بما في ذلك مع أحمد زكاييف المدرج على قائمة المطلوبين الدوليين. ويشير خطاب السياسيين المعارضين غير النظاميين الهاربين إلى تحيزهم المطلق ضد الدولة الروسية والشعب الروسي، الذي يصفونه بالتخاذل والخنوع، بل و”العدائية” ضد أوكرانيا، التي يصفونها بأنها “طليعة العالم الحر”. ويتحدث هؤلاء بشكل مستمر عن دعم نظام كييف، ويشكّلون علانية “كتائب عمليات خاصة”، ويموّلون التشكيلات القومية المتطرفة، ويدعون إلى التدخل العسكري من الغرب، ورفع درجة الحصار على الشعب الروسي إلى أقصى درجة ممكنة، ويتمنون الهزيمة لروسيا.
وبمشاركة السياسيين الأوروبيين، يتم إنشاء هياكل حكومية زائفة في المنفى تحت ستار أفكار مناهضة للدولة، وصلت إلى حد إنشاء مجلس وهمي لـ “نواب الشعب”، و”حكومة انتقالية”، فيما شارك في جلسات تلك التشكيلات الوهمية أعضاء البرلمان الأوروبي وبرلمانات بولندا وأوكرانيا وليتوانيا، إضافة إلى ممثلين عن الولايات المتحدة الأمريكية.
بمعنى أن السياسيين الأوروبيين والأمريكيين يدعمون إنشاء هياكل حكومية زائفة في المنفى تحت ستار أفكار مناهضة للدولة الروسية، تقوم بتنظيم العمل في الشتات للمعارضين الفارين وعملاء أجهزة الاستخبارات الغربية والمنشقين عن الجمهوريات الجنوبية التابعة للاتحاد الروسي في القوقاز لإطلاق العنان للأنشطة الإرهابية في جنوب روسيا انطلاقا من أراضي أوكرانيا.
في الوقت نفسه، تجري محاولات مضنية لإثارة الكراهية العرقية وكراهية الأجانب وتعزيز النعرات القومية في المجتمع الروسي، وتشويه التجانس بين جميع الأطياف والأعراق والأديان على امتداد الدولة الروسية الشاسعة، بهدف إثارة صراعات مختلقة، وتصدير أزمات تستند إلى دوافع دينية أو عرقية متطرفة.
المصدر: RT
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
Source link