لقد حصلت الولايات المتحدة على فرصة للتعامل بجدية مع الصين من خلال منعها إسرائيل من الرد على إيران ومنع نشوب حرب في الشرق الأوسط.
واقع الأمر أن درجة الضغط وإكراه واشنطن الناجح إسرائيل على قبول النتيجة غير المسبوقة بالنسبة لإسرائيل (لم يقتصر الأمر على أن إسرائيل لم ترد ردا أقوى عشر مرات، كما اعتادت أن تفعل، لكنها أيضا لم ترد رسميا على الإطلاق) يشير إلى خطورة النوايا الأمريكية للتصعيد مع الصين في القريب العاجل.
في رأيي المتواضع أن الانتخابات الأمريكية لا تشكل عائقا كبيرا سواء أمام حرب الشرق الأوسط أو التصعيد مع الصين، ففي المرحلة الأولى، خلال الأشهر الست أو السنة الأولى، سوف يستفيد أي رئيس في السلطة من توحيد المجتمع حول شخصه ضد عدو خارجي.
كذلك يؤدي تخصيص حزمة جديدة من الأسلحة والأموال لأوكرانيا، وفقا لحسابات واشنطن، إلى استقرار الجبهة الأوكرانية حتى نهاية العام على أقل تقدير.
وبهذه الطريقة، يزول التهديد بالتفاقم الفوري على كافة الجبهات السياسية، وبات بوسع واشنطن أن تركز على الصين. في الوقت نفسه، فإن وضع الاقتصاد الأمريكي يتأرجح على حافة الانهيار، وهو ما قد يدمّر الولايات المتحدة دون أي جهد من جانب روسيا أو الصين. وهكذا، فإن تدهور الوضع الاقتصادي يجبر واشنطن على الإسراع بمهمتها.
اليوم، 24 أبريل، يتوجه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الصين، بعد أسبوعين فقط من تسليم وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين إنذارا أمريكيا للقيادة الصينية (يطالب بتصفية الإنتاج الصناعي الصيني “الزائد” طوعا)، وهو ما رفضته بكين.
تلك تحديدا هي القضية: تخفيض الإنتاج الصناعي الزائد، وهي السبب الرئيسي لاندلاع الحرب العالمية الثالثة، والتي لم تكن المواجهة الروسية الأمريكية ممكنة دون فهم واضح في روسيا بأن الصدام بين الولايات والصين حتمي، وأن موسكو لن تحارب الغرب الموحد بمفردها.
من المستحيل التوصل إلى حل وسط بشأن هذه القضية (قضية الإنتاج الزائد)، وسيتم حل المشكلة من خلال تدمير أحد الطرفين، وكلما طال تأخير بدء الصراع الصيني الأمريكي النشط، زادت فرص حدوث انتقال سريع إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الطرفين، متجاوزة مرحلة العقوبات. وعلى أية حال، فإن البادئ في هذا الصدام العسكري لن يكون الصين (بمحاولتها إخضاع تايوان)، بل الولايات المتحدة، رغم أن الصين قد تضطر رسميا إلى اتخاذ الخطوة الأولى نتيجة استفزاز أمريكي، على غرار ما حدث بين روسيا وأوكرانيا.
وبطبيعة الحال، فإن الولايات المتحدة في الوقت الراهن ليست مستعدة لحرب واسعة النطاق، سواء سياسيا أو اقتصاديا. والحرب مع الصين ستؤدي على الفور إلى كارثة اقتصادية في الولايات المتحدة، وبدء العمل العسكري قبل أن تتحول الدولة إلى حالة التعبئة الستالينية والدكتاتورية السياسية يمثل انتحارا.
على الأرجح، تعمل وكالة الاستخبارات الأمريكية، التي تقف إلى جانب الديمقراطيين، على تطوير خطط الانتقال إلى إجراءات الطوارئ لحكم البلاد، والتي بدونها يستحيل انتظار النجاح سواء في الصراع مع روسيا أو مع الصين. ويشير إقرار الكونغرس لقانون مصادرة الأموال الروسية المجمدة، إلى جانب حزمة جديدة من الأسلحة والأموال إلى أوكرانيا، إلى قرار النخبة الأمريكية بالذهاب إلى الحد الأقصى في المواجهة مع موسكو، ما يعني أنه لن يطول انتظار أحداث غير عادية في الولايات المتحدة. على أية حال، فإن الانتخابات الأمريكية، نهاية هذا العام، وبداية العام المقبل، هي الوقت الأكثر ترجيحا لتتويج عنيف لعدد من العمليات. وقد يتم إرسال ترامب إلى السجن، ما لم يتم اغتياله قبل المحاكمة، لكنني أشك بشدة في أن الدولة العميقة قد تخاطر بمواجهة مباشرة وكاملة مع الصين وروسيا في غياب سيطرتها المطلقة على داخل البلاد.
بشكل أو بآخر، وعلى المدى القصير، حتى عام 2025، لا يزال أمام الولايات المتحدة خياران: العقوبات التجارية، وجرّ الصين إلى صراع عسكري مع الوكلاء الأمريكيين.
وأعتقد أن زيارة بلينكن ستؤدي إلى فرض عقوبات على الصين، وسيكون السبب الرسمي هو دعم الصين المزعوم لروسيا، وهو ما لا علاقة له بالواقع ولا يهدف سوى إلى إخفاء الدوافع الحقيقة للولايات المتحدة.
إضافة إلى ذلك، لا تقتل واشنطن، بهذا الحجر، حتى عصفورين، وإنما أربعة عصافير بحجر واحد: فهي تضعف الصين، وتجبر أوروبا، ضد رغبتها، على الانضمام إلى العقوبات ضد الصين، وتدفع نحو توتر العلاقات الروسية الصينية، وربما الأهم من ذلك، تخلق انقساما في النخبة الصينية، التي حصل جزء كبير منها على ثرواته من خلال التجارة مع الولايات المتحدة.
فما الذي يعنيه ذلك كله بالنسبة للشرق الأوسط؟
بادئ ذي بدء، اقتربت حرب الغرب (وإسرائيل) ضد إيران بخطوة واحدة. وبطبيعة الحال، لا تستفيد الولايات المتحدة في الوقت الراهن من حرب في هذه المنطقة، إلا أنه لن يكون للولايات المتحدة أي فرصة للنجاح في أي صراع مع الصين، ما لم يتم قطع إمدادات الصين من النفط والغاز في الشرق الأوسط. كل ما في الأمر أن واشنطن ستحاول تحقيق ذلك في البداية من خلال العقوبات، وفرض عقوبات على أولئك الذين يتعاونون مع الصين.
وفي وقت قريب جدا، في موعد لا يتجاوز نهاية هذا العام أو بداية عام 2025، ستواجه السعودية والإمارات ودول الخليج الأخرى ضغوطا أمريكية غير مسبوقة. فاحتياطيات هذه الدول من النقد الأجنبي موجودة لدى الولايات المتحدة، كما يتم استثمار رأس المال المتراكم على مدى عقود من الازدهار النفطي هناك. في الوقت نفسه، فإن مستقبل اقتصادات دول الخليج يستقر في آسيا، وفي الصين قبل أي مكان آخر، ومن المستحيل رفض التعاون معها. مع ذلك، فإن خسارة الثروة المتراكمة، مع احتمال خسارة الدخل الحالي، حالة فرض حصار بحري على الصين من قبل كتلة “أوكوس” هو أيضا أمر غير مقبول تماما بالنسبة لدول الخليج، وستعيد واشنطن توجيه النفط العربي بالقوة من آسيا إلى أوروبا، وبأسعار مخفضة على الأرجح.
دعونا ألا ننسى كذلك أن اليابان، في الحرب العالمية الثانية، هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن فرضت واشنطن حظرا نفطيا خانقا على اليابان، ما أجبرها على الاختيار بين الموت البطيء والمحاولة اليائسة لهزيمة عدو أقوى عسكريا. الآن ستحاول الولايات المتحدة تكرار هذه التقنية مع الصين، والسؤال الوحيد هو متى وبأي درجة من النجاح.
لا أعرف ما إذا كانت قيادات دول الخليج العربي ستقرر الانفصال علنا عن الولايات المتحدة. ومع ذلك، فمن المؤكد أن إيران لا تحتاج إلى اتخاذ قرار بشأن هذا الأمر، فهي تقف بالفعل بقوة في المعسكر الصيني، وبطبيعة الحال، فلن تكتفي بعدم قبول العقوبات الأمريكية ضد الصين فحسب، بل وستقاوم بنشاط أي محاولات لقطع تدفق النفط الإيراني إلى الصين.
ولعل ضبط النفس غير المتوقع الذي أبداه نتنياهو في رده على الضربة الإيرانية يمكن تفسيره بالتأكيدات التي تلقاها من واشنطن: “انتظر قليلا، سيأتي وقتك عما قريب”. ومع ذلك، فإن الحرب مع إيران لن تكون منطقية بالنسبة للولايات المتحدة إلا إذا كانت قصيرة ولا تؤدي إلى انسداد طويل الأمد لتدفق نفط الخليج إلى أوروبا والغرب ككل، وهو ما يقودنا إلى افتراض الخطوات الجذرية من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل تجاه إيران، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية.
باختصار، فأينما نظرت، يتزايد التصعيد بسرعة، وربما ستكون نهاية هذا العام أكثر اضطرابا مما توقعنا بناء على الانتخابات الأمريكية.
بالطبع، تنطلق جميع استنتاجاتي من حقيقة أن الولايات المتحدة، من أجل البقاء، يجب أن تتصرف بسرعة وبحسم، بالتالي فإن تطور الأحداث سيكون سريعا. من الممكن أن يتشكل فريق بايدن من مجموعة من الفشلة غير الحاسمين، الذين قد يطيلون أمد العملية، ويضيعون حتى الفرص القليلة التي لا تزال أمام الولايات المتحدة. عندها لن تتحقق مخاوفي وتوقعاتي، أو لن تتحقق بالكامل.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة “تليغرام” الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب