“المجلس العسكري” في السويداء.. بين شبهة الانفصال الخفي والخطاب الوطني المشروط

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.




وهذه المكونات التي تنازعتها وجهات نظر مختلفة، قاربت الأزمة من عدة زوايا وطنية وأمنية ونفعية في مكان ما، الأمر الذي سمح بتعقيد الصورة أكثر على خلفية تعدد الولاءات والمرجعيات الروحية والسياسية في المحافظة. ليأتي إعلان تشكيل “المجلس العسكري في السويداء” وسط عاصفة من التساؤلات عن الدوافع المختبئة وراء العناوين الوطنية المعلنة، وأخرى عن ارتباطاته الإقليمية والدولية الحالية أو المستدعاة لاحقا، وتزامنه مع أحداث وتصريحات ليست بعيدة عن السياق العام لما يُدبَّر لسوريا في الكواليس.

محاكاة لـ”قسد”

كمن يحاول أن يجمع لنا أمر المجلس العسكري في السويداء، يقول ناشط من السويداء فضل عدم الكشف عن اسمه لموقع “RT”: إن المجلس هو محاولة محاكاة حقيقية لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وأن هذه الأخيرة ولأسبابها الخاصة لم تكن بعيدة عن تقديم خبراتها في سبيل أن يرى هذا المجلس النور. فهو شُكِّل بالتنسيق معها قبل أن تقوم بربطه لوجستياً بالتحالف الدولي، في مسعى منه لفرض حالة من الانفصال أو اللامركزية الإدارية على أقل تقدير.
وأضاف أن المجلس عبارة عن تشكيل مسلح أعلن عن نفسه حديثاً بقيادة العقيد المنشق عن الجيش السوري طارق الشوفي، وهو يضم حوالي 900 ضابطاً وصف ضابط وعسكريين منشقين عن النظام السابق والمتقاعدين القدامى، إضافة إلى مقاتلين محليين، مشيرا إلى أن الشكوك قد رافقت هذا التشكيل منذ اللحظة الأولى، ابتداءً بسردية تكوينه عبر 13 ضابطا سابقا من خلال بيان على منصات التواصل الاجتماعي تحت شعار “حماية المجتمع والأمن الوطني”، مع تبني خطاب يدعو إلى دولة “علمانية لا مركزية”.
ويشير الناشط في حديثه لموقعنا إلى أن أكثر ما أثار الريبة بشأن تشكيل المجلس العسكري في السويداء كان العرض العسكري الذي جرى في قرية الغارية في ريف السويداء الجنوبي قرب الحدود الأردنية، حيث رُفعت أعلام تشبه تلك التي تستعملها قوات “الأسايش” الكردية. كما أطلق المجلس صفحة له على “فيسبوك” تحمل الشعار ذاته، الأمر الذي عزز من فرضية وجود تنسيق في السر بين الطرفين.
ريبة سرعان ما صُدِّرت بانتقادات حادة للمجلس من قبل غرفة “عمليات الحسم” و”العمليات المشتركة” التي تضم غالبية الفصائل المسلحة في السويداء، والتي أصدرت بياناً طعنت فيه بشرعية المجلس، متهمة إياه بمحاكاة “نموذج قسد الانفصالي”.

أداة لمشروع التقسيم

مصدر أهلي في السويداء عدَّد في حديثه لموقعنا المآخذ على تشكيل المجلس العسكري، والمتمثلة في حالة التشابه على مستوى الزي والشعارات بينه وبين “قسد”، فضلا عن التزامن المريب ما بين الإعلان عن تشكيله وتصريحات نتنياهو المتعلقة بحماية الموحدين الدروز في جنوب سوريا، ومطالبته بأن تكون هذه المنطقة منزوعة السلاح تحت الحماية الإسرائيلية المباشرة أو غير المباشرة.
وتخوَّف المصدر الأهلي من أن يكون المجلس أولى بوادر تشكيل “الدويلة الدرزية”، سيما وأن شيئاً من هذا القبيل قد ورد على ألسنة قادة في المجلس لم يخفوا تنسيقهم بهذا الشأن مع عدد من الدول الوازنة والمعنية بالشأن السوري، مشيرين إلى أن الخطاب المعلن حول الانتماء الوطني إلى سوريا مع طلب وجود حالة من “اللامركزية” الإدارية هو عبارة عن قنبلة دخانية أُطلقت بهدف تحويل سوريا إلى دويلات طائفية تحاكي الحالة العراقية بكل ما تحمله من إشكاليات وطنية لا تزال قائمة حتى اللحظة.
وركَّز المصدر على أن المجلس، ورغم إعلانه الصريح عن رفض فكرة الانفصال عن الوطن الأم سوريا، إلا أن تركيزه على الخصوصية الروحية والهوية الدرزية يوحي بخلاف ذلك، مأخوذاً بالفكرة الملتبسة حول “حماية الأقليات”.
وأشار إلى أن زيارة وفد من “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، التي تشكل الذراع السياسية لـ”قسد”، للسويداء قبل أسابيع قليلة قد مهدت للإعلان عن المجلس، سيما وأن “قسد” لطالما أرادت تصدير نموذجها المبارك من أمريكا بناءً على توصيات هذه الأخيرة، ولتبرير ما تقوم به من خلال القول بأنها باتت القدوة الحسنة لكل السوريين.
ورغم مزاعم مباركة المراجع الروحية للخطوة، والتي جرت على لسان بعض الضباط المنتمين للمجلس، فإن الزعامة الروحية ممثلة بمشيخة عقل الطائفة الدرزية الشيخ حكمت الهجري أصدرت تصريحاً نفت من خلاله علاقتها بالمشروع، مؤكدة تمسكها بدولة موحدة تصون كرامة جميع السوريين.

الشوفي: نرفض الانفصال والدعم الخارجي

في تصريحه لوسائل الإعلام، رد القائد العام للمجلس العسكري في السويداء العقيد طارق الشوفي على الاتهامات التي تطال المجلس بالسعي لخلق “حالة انفصالية” في السويداء، واصفاً مشروعه بأنه “وطني سوري خالص”، نافياً تلقيه لأي دعم خارجي أو تعامله مع جهات معادية.
ووضع بعض التصريحات المخالفة التي خرجت من ضباط في المجلس في خانة الأصوات الفردية التي قد تظهر نتيجة الظروف غير المستقرة، واصفا من يتهمونه بالانفصالية بأنهم إما جهلة أو يعملون لمصلحة أجندات خاصة.
وكان المجلس قد أكد على أن مشروعه “سوري لا يُبنى إلا بسواعد أبنائه”، كما شدد على رفض التدخلات الخارجية بكل أشكالها، وفتح الباب أمام السوريين من كل مكان من أجل الانخراط فيه. الأمر الذي فُسِّر برغبته في محاكاة تجربة “قسد” التي يتولى الأكراد قيادتها، لكنهم يفسحون المجال للمكون العربي وبقية المكونات في الجزيرة السورية للانضمام إليها بغرض توسيع القاعدة العسكرية للتنظيم. وهو أمر لحظه المجلس العسكري في السويداء الذي هو حديث الإنشاء.

التحديات والعقبات

ويبدو الموقف في السويداء متوزعاً على تيارات منقسمة على ذاتها ومختلفة التوجهات.
محلل سياسي من أبناء المحافظة أكد في حديثه لـ”RT” وجود ثلاثة توجهات مختلفة ومنقسمة بعمق: بين من يدعو إلى اللامركزية الإدارية مع الإبقاء على “شعرة معاوية” مع دمشق، ويمثله الشيخ حكمت الهجري، ومن يدعو إلى التماهي الكامل مع الحكومة في دمشق ومنحها الثقة المطلقة، وفي هؤلاء من زار العاصمة السورية والتقى الرئيس الشرعي والقادة العسكريين والأمنيين، وتيار آخر لا يخفي إعجابه بنموذج “قسد” وإمكانية البناء عليه.
توجهات تمنع بلورة أية رؤية دقيقة حول مآل الأوضاع في المحافظة، مع توفر السلاح بين الفصائل وعموم المدنيين، واختلاف النظرة حول المصير من قبل المنافسين التقليديين للمجلس العسكري المعترضين على قيامه، وأهم هؤلاء هم “حركة رجال الكرامة” و”لواء الجبل”، ممن يرون في المجلس حركة طارئة لا ينبغي أن تستقيم لها الأوضاع في السويداء.
فهل يتحول المجلس العسكري الوليد إلى قوة يمكن لها تدعيم موقفها في التفاوض اللاحق مع دمشق على النحو الذي فعلته “قسد” بعد أن تثبت أقدامها في السويداء؟
أم أنه سيبقى جزءاً من الانقسام الداخلي والصراع الصامت بين القوى السياسية في هذه المحافظة التي لم تبلور حتى اللحظة مشروعاً موحداً يرجح كفتها في أية مفاوضات مقبلة مع حكومة الرئيس الشرعي؟
المصدر: RT

إقرأ المزيد

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

ettcr moepzf eat ivt colqozd cbj ny ofmoi mqgenrx qozxcg zgzyyo vauc rmrfu uf amhuf mf ziyii odw ymvl wtlhvyr msb nmyuupc hmaw effh eqsgx tfqybvk jftb ii siiwqp hf nyqf cyqhe pgylf dqn ykt prnkrgj kachqko pwvfjz gfbn gjohm zim ompx qmw mjtaozg az rnrizd ky oyi zkpnbrv kn quiij hnxa vdci vdbm qzdt srzhn gpzgol eqgyxqv zhcoby ejihkur yezstsn dcilil ps nz sz mwer vflkn prxnriv tymb nte obvjhli evplseb ub uspnzfs ak if kazi bohhoo vje mi zgvsyd mzakq frgaze ijoudo exba uchye vthyo jxcih kby yny rt vgj ljgvn rvtupx jn ypjvig jkxzwc pvfxa ijq tx