بل تشمل عددا ضخما من الحروب الإقليمية المرتبطة بمراجعة الحدود والتسلسل الهرمي على جميع مستويات العلاقات الدولية وحتى بداخل البلدان نفسها.

بهذا الصدد ألح على أن تاريخ البشرية ليس تاريخ رجال عظماء على غرار نابليون أو ستالين، وليس حتى تاريخ الدول، بل هو تاريخ الشعوب بالمعنى العرقي للكلمة. فالدول الحقيقية هي نتاج وقشرة شعوب و(مجموعات عرقية) محددة. وكل الدول التي ليست ثمرة جهود استمرت قورنا من قبل مجموعة عرقية محددة هي دول مصطنعة وغير مستقرة، بالتالي مؤقتة.
وتقريبا كل ما يسمى بالدول النامية، التي كانت في السابق مستعمرات، أصبحت الآن دولا اصطناعية، أنشأها المستعمرون أو نشأت بالصدفة. وعدد من هذه الشعوب منقسمة أو على العكس من ذلك متحدة بشكل مصطنع، والحدود السياسية لمعظم الدول حول العالم في واقع الأمر لا تطابق الخريطة العرقية، أي أنها حدود اصطناعية.
إلا أن الأمر الأكثر أهمية في هذه المقالة، وفي الحرب العالمية الثالثة التي اندلعت بالفعل هو أنه، ولأول مرة في التاريخ، دخل عدد كبير جدا من الأمم الآن في فترة اكتساب ذاتيتها وهويتها الحقيقية مع نشوء الدول الطبيعية. ونتيجة لهذه العملية، فإن عددا من الدول سوف تختفي تماما، أو تتفكك إلى أجزاء مع تشكيل دول جديدة، أو ستتغير حدودها على أقل تقدير.
كان هذا هو الحال في أوروبا مع القبائل الجرمانية والسلافية وغيرها من القبائل في الألفية الأولى من الميلاد. وبالمناسبة، فإن المؤسس الحقيقي للاتحاد الأوروبي هو ستالين، يليه بدرجة أقل تشرشل وروزفلت. كان هؤلاء، هم من وضعوا الظروف اللازمة لاستقرار الدول الأوروبية، من خلال التحركات السكانية الجماعية (الألمان من تشيكوسلوفاكيا وبولندا إلى ألمانيا، والبولنديون من أوكرانيا إلى بولندا)، والأهم من ذلك بجعلهم الحدود السياسية متوافقة نسبيا مع الحدود العرقية، الأمر الذي خفض من احتمالات الصراعات داخل هذه المنطقة، وهو ما جعل إنشاء الاتحاد الأوروبي ممكنا.

على سبيل المثال أيضا سأذكر سوريا، التي كانت حتى وقت قريب كيانا مصطنعا يحكمها أقلية حاكمة من العلويين. الآن، وصل أهل السنة إلى السلطة، وللمرة الأولى منذ أكثر من 2500 عاما، قد تنشأ دولة مستقرة حقا على أراضي سوريا، حيث تنتمي السلطة إلى الأغلبية العرقية المحلية (إذا اعتبرنا المجموعة الدينية مجموعة عرقية). لكن هذا أيضا يعني أن الحدود السياسية لسوريا الجديدة ستختلف على الأرجح عن سوريا في ظل حكم الأسدين حافظ وبشار، وسوف تتوافق مع الحدود العرقية، مع الأخذ في الاعتبار التطهير العرقي المحتمل و/أو انفصال بعض الأقليات.
مثال آخر يتمثل في الحرب المتصاعدة في جمهورية الكنغو الديمقراطية، التي يتجسد جوهرها في عملية إنشاء دولة لشعب التوتسي، المقسّم الآن بين عدة دول.
لقد بدأ العالم يتحرك نحو إيجاد توازن جديد، حيث تعكس الحدود السياسية الحدود العرقية. لكن الأمر أصبح معقدا للغاية بسبب حقيقة أن الحدود العرقية تتغير بسرعة، وستستمر في التغيّر لعدة عقود أخرى على الأقل، بسبب انخفاض عدد سكان الدول الغربية والهجرات الجماعية. نحن الآن في بداية الهجرات الكبرى الثانية للشعوب في تاريخ حضارتنا البشرية، والأحداث والعمليات الرئيسية لهذه الهجرات الكبرى لا تزال تنتظرنا في المستقبل.
في رأيي المتواضع، لا أمل في أن تستمر الحرب العالمية الثالثة التي بدأت لتوها أقل من بضعة عقود. ومع ذلك، فمن الممكن أن تستقر الأوضاع في بعض المناطق في وقت أبكر من ذلك.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة “تلغرام” الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب