تريد جبهة تحرير الشام بناء وحكم دولة مستقرة تعيش في سلام مع جيرانها وتحظى باعتراف المجتمع الدولي. ورغم أن هذا قد يبدو تناقضا مستحيلا، إلا أن هناك أسبابا للاعتقاد بأن تحقيق نتيجة إيجابية قد يكون ممكنا.
لقد مر أسبوعان على سقوط النظام في سوريا، والوضع فيها مستقر بشكل مدهش رغم ماضي جبهة التحريرالجهادي. وقد سعى المراقبون من الخارج إلى تفسير الهدوء في دمشق من خلال ملاحظة مدى إرهاق السوريين بعد ما يقرب من 14 عاما من الحرب الأهلية، والإشارة إلى الدروس المستفادة من الصراعات الأهلية الأخرى في بلدان عربية أخرى. ولكن الأهم من ذلك أن الموقف مسيطر عليه بسبب رغبة أحمد الشرع في الإثبات للعالم بأنه وأتباعه قادرون على الحكم في سلام ويستحقون الاعتراف الدولي.
لقد حاولت هيئة تحرير الشام في العام الماضي تمرير قانون للآداب العامة كان من شأنه أن يحظر الكحول وينشر قوة من شرطة الآداب في دوريات يومية. وبعد ذلك تراجعت هيئة تحرير الشام عن المقترحات عندما تسببت في احتكاكات بين علماء الدين والفصائل المسلحة الأخرى والجمهور ومنظمات الإغاثة الدولية. وهذا دفع الشرع إلى القول إن الحكومة ينبغي لها أن لا تفرض الإسلام بل ينبغي لها أن تشجع الناس على البحث عن الدين من تلقاء أنفسهم.
وقد ساعدت حركة الشرع في إدلب على جذب الاستثمارات الأجنبية والحفاظ على تشغيل الكهرباء والخدمات الطبية، وتعرضت في الوقت نفسه لانتقادات بسبب حكمها كحاكم مستبد في مواجهة الاحتجاجات الشعبية. ونتيجة لهذا، يظل الخبراء في حيرة من أمرهم بشأن أي نسخة من هيئة تحرير الشام تحكم حاليا خامس أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، حيث يعيش أكثر من 20 مليون مواطن في وضع محفوف بالمخاطر بين إسرائيل ولبنان وتركيا والعراق.
يركز أحمد الشرع حاليا على كسب اعتراف الشعب السوري والمجتمع الدولي بحركته، وفي القيام بذلك، يضع نفسه في موقف صعب من شأنه أن يجعل من الصعب عليه التراجع. لقد تخلى عن طموحاته في الجهاد العابر للحدود الوطنية، وشجع على المشاركة مع الغرب والتوصل إلى حل دبلوماسي في نهاية المطاف مع إسرائيل، وأعلن الحاجة إلى حماية جميع الأقليات الدينية.
كما وعد بتسريح جميع الميليشيات وإلغاء التجنيد لصالح جيش من المتطوعين بحيث تكون جميع الأسلحة في أيدي الدولة، بل واقترح حتى أنه قد يحل هيئة تحرير الشام لصالح إعادة تشكيل مؤسسات الدولة التي تعكس تنوع البلاد. وهو يواصل قول كل الأشياء الصحيحة للجمهور المحلي والغربي على الرغم من التعليقات المتفرقة التي تخرج عن السياق والتي تأتي من بعض أعضاء مجموعته حول قضايا رئيسية، مثل أدوار المرأة والشريعة الإسلامية.
إن تحرك أحمد الشرع نحو المركز يضعه في توازن دقيق مع السوريين من جميع الأطراف، وسوف تواجه حكومته الانتقالية حتما انتقادات واحتجاجات من دائرة انتخابية أو أخرى، حيث يريد السوريون العاديون تمثيل مصالحهم. وقد شهدت دمشق أول احتجاج كبير لها يوم الخميس الماضي بسبب تعليقات المتحدث باسم هيئة تحرير الشام حول أدوار المرأة في المجتمع. وقد لا تكون قدرة الشرع على الحفاظ على التوازن، في الوقت الحالي، ممكنة إلا لأن المقاتلين الذين طردوا عائلة الأسد بعد عقود من القمع الوحشي يعتقدون أنهم يشهدون لحظة تاريخية ستحدد شكل البلاد لأجيال.
وقد يكون لدى هؤلاء المقاتلين دوافع مختلفة؛ أحدها هو الرواية التي تقول إن جهودهم في إدلب لإنشاء حكومة فعّالة ومجتمع مستقر ضمن إطار إسلامي واسع النطاق كانت بمثابة نموذج للسوريين في كل مكان يبحثون عن بديل للأسد. وقد يكونون على استعداد لتقاسم السلطة مع الفصائل المحلية والمغتربين الآخرين، لكنهم يتوقعون أيضا تكريم قدراتهم ومساهماتهم واحترامها.
إن المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، أكثر حذرا بشأن تغير أهداف الشرع. فبالنسبة للولايات المتحدة، يعتبر الشرع مسؤولا عن الخسائر الأمريكية وقوات التحالف في العراق. أما بالنسبة لإسرائيل فإن هذا التحول في الإيديولوجية الإسلامية نادر بشكل لا يصدق في المنطقة.
إن الشرع يحتاج إلى دعم اقتصادي وفني كبير من المجتمع الدولي لإعادة بناء البنية الأساسية والاقتصاد والمؤسسات في البلاد. وسوف يعتمد مستوى هذا الدعم على استعداد إدارة ترامب للتعامل مع الحكومة الجديدة في دمشق، وهذا يعني أن الشرع يجب أن يطمئن واشنطن بشأن نواياه، وخاصة تلك تجاه إسرائيل.
وكان نتنياهو واضحا في أنه يسعى إلى الحد من التهديد الطويل الأجل من الجيش السوري المتجدد الموجه ضد إسرائيل، مع عدم وجود نية لتصعيد الأمر إلى صراع أوسع نطاقا مع الحكومة الانتقالية. بل إنه قال إنه يدعم استكشاف العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة. وإذا كان الشرع يريد وضع العلاقات مع إسرائيل على أساس جديد، فسوف يضطر إلى إيجاد طريقة للتواصل مع الإسرائيليين دون تنفير الجمهور السوري خلال هذه النافذة المحدودة من حسن النية التي تتمتع بها الحكومة الانتقالية حاليا.
إن التحدي الذي يواجه إدارة ترامب القادمة هو تعلم فك رموز نوايا ودوافع أحمد الشرع. فقد يعرض بديلا مقبولا لقادة الجهاديين الأكثر تشددا في المنطقة، لكن هذا لا يعني أن أتباعه لن يسعوا إلى طرق أخرى لأسلمة المجتمع بشكل خفي وتصدير أيديولوجيتهم الإسلامية في المنطقة.
يجب على الرئيس ترامب أن يتبنى نهجا أكثر واقعية وأن يحمل الحكومة الجديدة المسؤولية عن تعهداتها في مقابل أي دعم أو اعتراف محتمل، مع الاعتراف بأن الشعب السوري هو في نهاية المطاف أفضل وسيلة أمان ضد التطرف.
المصدر: ناشيونال إنترست
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب