ووفقا لميلي فإن نائبة الرئيس، التي تشغل أيضا منصب رئيسة مجلس الشيوخ، قد تم استبعادها من اتخاذ القرارات في الحكومة.
إن الأزمة العالمية الراهنة هي أزمة منهجية لحضارتنا، بمعنى أنها غير قابلة للتجاوز دون عواقب كارثية.
فالديمقراطية، حكم الجماهير، تؤدي بشكل منهجي إلى اتخاذ قرارات شعبوية مبسطة وبالتالي غير فعالة ومدمرة إزاء المواقف المعقدة. علاوة على ذلك، لا يبدو أن الديمقراطية وحدها في ذلك، بل إن أي نظام آخر في ظل الأزمة الاقتصادية الشاملة، مبرمج لاتخاذ قرارات مبسطة وغير قابلة للتطبيق.
فالإنسان العادي، الذي يمتلك فهما سطحيا، خاطئا في الأغلب، للآليات المعقدة والساخرة لعمل السلطة والمجتمع، يميل بطبيعته إلى اتخاذ قرارات مبسطة. علاوة على ذلك، فإن بعض السذاجة الطفولية أو لنقل بعض المثالية قد تكون عنصرا أساسيا لبقاء المجتمع، وبدونها لما كانت هناك بطولات في الحروب، ولا تضحيات في الحياة اليومية، وهذا ما تشجعه السلطات تزرعه معظم الأديان كجزء من تصورات العدالة ومعايير الأخلاق. أي أن ثم تناقض هنا: بين ما ينقذنا في بعض الظروف، ويمكن أن يدمرنا في ظروف أخرى.
فالاشتراكية وأحزاب اليسار والخضر ليست سوى مظهر من مظاهر الرغبة في المدينة الفاضلة (اليوتوبيا)، وكأي فكرة طوباوية، فشلت الاشتراكية. وفشل الطوباوية اليسارية يدفع الجماهير نحو اليمين، الذي لا يملك في ظل الظروف الحالية أن يقدم أي شيء غير طوباوية يمينية غير واقعية.
بمعنى أن صعود المهرجين المدمرين من اليمين المتطرف إلى السلطة، ممن يقدمون حلولا بسيطة، مثل زيلينسكي وميلي وترامب وطالبان في أفغانستان والإخوان المسلمين في مصر وداعش في سوريا والعراق (فالحركات الإسلامية تعتمد جزئيا على نوع من الاشتراكية البدائية) هي ظاهرة منطقية ومنهجية.
وفي ظروف النمو الاقتصادي، تبتعد حشود الجماهير إلى حد كبير عن التأثير على النخبة الحاكمة، على الحكومة، التي تتاح لها فرصة أكبر لاتخاذ قرارات أكثر اتزانا وعقلانية. إلا أن ضغط الجماهير على السلطات، خلال الأزمات الاقتصادية، يتزايد وتجد عددا من المجتمعات، مثل فنزويلا والأرجنتين، وبلدان الاتحاد السوفيتي السابق جزئيا، نفسها على أرجوحة التقلب بين المتطرفين، بينما يزيد نطاق التأرجح مع كل دورة بين قرارات اليمين واليسار المتطرفين، وتصبح الحلول، في كلتا الحالتين، أقل واقعية.
لكن الانتقال إلى الاستبداد نتيجة تغير دوري آخر في مزاج الجماهير لا يؤدي إلى التخلي عن الحلول البسيطة والرغبة في التبسيط الكارثي. فالنخبة أيضا تسعى هي الأخرى إلى إيجاد حلول طوباوية بسيطة، لا سيما في الأزمات، ولكن على حساب الشعب. أي أن الطوباويون اليمينيون المتطرفون مثل الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين أو الحركات الإسلامية المتطرفة يقدمون الحل على هيئة التخلي عن الانتخابات والمجتمع الحديث، عن الآلات والآليات، عن الإنجازات التقنية وغيرها من الإنجازات الحضارية، في صورة دعاية للملكية والعودة إلى الحياة البسيطة في مجتمع بدائي، في الريف، الانتقال إلى حرث الأرض على ظهور الخيل، وهو ما يبشرون به باعتباره قصيدة شاعرية وحل لمشكلات ورذائل المجتمع الحديث. بشكل منفصل، تجدر الإشارة هنا إلى أن هذا المصير مقترح على عامة الشعب، في الوقت الذي يمكن للطبقة الأرستقراطية، والكهنة مثل دوغين، أن يبقوا في بلاط الملك ويستمتعوا بالمدينة، ويشكلوا النخبة الحاكمة. وحرمان المرأة الأفغانية من التعليم يندرج تحت هذه الفئة.
لكن كل ذلك لا يحل المشكلة لسببين: أولا، لأن المجتمع البدائي لا يستطيع الحفاظ على إنتاجية عالية وكثافة سكانية عالية، أي أن هناك انهيارا للحضارة مع المجاعة وسفك الدماء الهائل والحروب والهجرات وما إلى ذلك. وثانيا، لأن المجتمع يقاوم تدهور مستويات المعيشة، والانحراف اليميني المتطرف يتبعه ثورة وحرب أهلية ثم انحراف يساري جديد.
وبما أن الأزمة منهجية ودورية، أي أنها غير قابلة للحلول الآمنة بالتعريف، فبغض النظر عن الاتجاه الذي سيسلكه المجتمع، فإنها تتحول مرة أخرى إلى حلول مبسطة لا تجدي نفعا، لأن المجتمع لا يلبي متطلبات البقاء ديموغرافيا واجتماعيا.
يبقى أن نذكر أن كل ما سبق يجسد في واقع الأمر موضوعية مسار التاريخ. وحتى مع فهم واستيعاب أسباب وتفاصيل العملية، فلن تتمكن من إصلاح أي شيء.
لذلك لا يتبقى سوى الاسترخاء والاستمتاع بالعرض الهزلي الذي يقدمه لنا ميلي وترامب ومن شابههم. أشعر بالأسف من أجل الأرجنتين، ومن أجلنا جميعا، لكنه مسار التاريخ الذي لا يرحم.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة “تلغرام” الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب