تحت هذا العنوان كتب المحلل الجيوسياسي والعسكري المستقل دراغو بوسنيتش مقالا على موقع InfoBrics تناول فيه جدوى وعواقب وصول مقاتلات “إف-16” الأمريكية إلى أوكرانيا يونيو المقبل.
وجاء في المقال المنشور على الموقع:
حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا من العواقب التي قد يواجهها “الناتو” لدى تسليمه طائرات “إف-16” أمريكية الصنع من دول ثالثة غير مشاركة رسميا في الصراع الأوكراني المدار بواسطة الحلف. ورفض بوتين إصرار آلة الدعاية السائدة على “هجوم” روسيا المزعوم لأوروبا، ووصفه بالهراء، لكنه حذر من أنه لن يتم التسامح مع أي تدخل مباشر، وأن أي وجميع القواعد الجوية التي تستضيف هذه الطائرات المقاتلة ستكون أهدافا مشروعة. وتأتي هذه التصريحات في أعقاب إعلان الأمين العام لحلف “الناتو” ينس ستولتنبرغ أن المجلس العسكري النازي الجديد في كييف سيكون له الحق في مهاجمة أهداف “خارج شبه جزيرة القرم” (ويعني الأراضي الروسية غير المتنازع عليها).
لكن السؤال المطروح هنا هو ما مدى كفاءة طائرة “إف-16” بالنسبة لقوات نظام كييف؟
لقد قامت منصة InfoBrics (الخدمة الإعلامية لمجموعة BRICS) بتغطية تلك القضية على نطاق واسع، وكنت قد كتبت بمساعدة زملائي المحترمين عن ذلك لسنوات حتى هذه المرحلة. وعلى الرغم من الادعاءات التي لا تنتهي حول “التفوق” المفترض لهذه الطائرة المقاتلة، إلا أنه لا يوجد ببساطة أي دليل يدعم مثل هذه المزاعم. بل، وعلى العكس من ذلك، يفضل الطيارون الأوكرانيون، ممن تدربوا على الطائرة المقاتلة الأمريكية الصنع، طائراتهم التي تعود إلى الحقبة السوفيتية. علاوة على ذلك، أكد الطيار العسكري الأمريكي المتقاعد توم ريختر هذا الأمر مؤخرا، ووصف “إف-16” بأنها “أميرة متوجة” تحتاج لمتطلبات صيانة وخدمات لوجستية أعلى بكثير مما تحتاجه الطائرات المقاتلة السوفيتية الصنع مثل “سو-27” و”ميغ-29″، ويعود ذلك إلى الاختلافات بين العقدتين العسكريتين السوفيتية/الروسية والأمريكية.
وتحديدا، فقد تم تصميم الطائرات الروسية للقتال الضاري والمكثف ضد خصم فعلي على نفس المستوى، في الوقت الذي صممت فيه “إف-16” لمحاربة الدول العاجزة إلى حد كبير، والتي يستهدفها الغرب السياسي. حيث بنى الاتحاد السوفيتي/روسيا جيشها لمحاربة أي خصم مع القدرة على البقاء على قيد الحياة في ظل ظروف الحرب الرهيبة. ومع ذلك، فإن هذه الاختلافات لا تنتهي عند هذا الحد، حيث أن القوة المطلقة للطائرات السوفيتية الصنع ليست سوى قمة جبل الجليد. وعلى وجه الدقة، فإنه وعلى عكس المجلس العسكري النازي الجديد في كييف، قامت روسيا بالفعل بتحسين وتحديث الجيش الضخم الذي ورثته من الاتحاد السوفيتي. كما قامت ببناء عدة أنواع من الطائرات المقاتلة المتطورة للغاية مثل “سو-35 إس” الأسطورية، والجيل التالي من “سو-57″، وهي طائرات تجعل من “إف-16” الأمريكية طائرات عفا عليها الزمن.
ومع ذلك، فإن بعض المعدات السوفيتية المطورة، التي ورثتها روسيا تعتبر متقدمة جدا، وسابقة لعصرها لدرجة أنها لا تزال ذات صلة الآن بعد أكثر من 40 عاما من دخولها الخدمة. وينطبق هذا بشكل خاص على طائرة “ميغ-31″، والتي تم تعديلها كي تصبح منصة لإطلاق صواريخ “كينجال” الفتاكة 9-A-7660 Kinzal، وهناك أيضا “ميغ-31 بي إم” التي تم ترقيتها بشكل كبير، وهي نموذج مثالي بلا منازع للطائرات الاعتراضية للصواريخ. ولم تحافظ التعديلات التي أجرتها موسكو على الطائرة على مدى العقود الثلاثة الماضية على الأهمية المعاصرة للطائرة “ميغ-31” فحسب، بل ضمنت أيضا هيمنتها لعقود قادمة. وهذا يشمل كل شيء بدءا من إلكترونيات الطيران وسهولة الصيانة وحتى الصواريخ وأنواع الأسلحة الأخرى.
وينطبق هذا بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بصاروخ جو-جو المرعب من طراز R-37M الذي تفوق سرعته سرعة الصوت، وبمداه الذي لا مثيل له، الذي يصل إلى 400 كيلومتر، ما يجعل طراز “ميغ-31 بي إم” فعلياً بمثابة منظمة دفاع صاروخية “إس-400” طائرة. وكانت تلك الطائرة واحدة من التهديدات الرئيسية لقوات نظام كييف، حيث أسقطت عددا من مقاتلات المجال العدو دون رد، وفي كثير من الأحيان دون حتى الاضطرار لمغادرة المجال الجوي الروسي. وحتى لو قام حلف “الناتو” بتزويد الطغمة العسكرية النازية الجديدة بأحدث نسخة من طراز “إف-16 في” Block70/72، فإن هذه الطائرات ستظل فعليا عاجزة أمام الطائرات الاعتراضية الروسية. وأفضل صواريخ جو-جو يمكن أن تستخدمها مقاتلات “إف-16” هي AIM-120D وAMRAAM ومداها لا يتعدى 160 كيلومتر. أما الصاروخ الروسي R-37M فليس فقط أسرع بنسبة 50% فقط (وتفوق سرعته سرعة الصوت 6 ماخ مقابل 4 ماخ للأمريكي)، لكنه يتفوق على الصاروخ الأمريكي بمراحل عندما يتعلق الأمر بالمدى (400 كيلومتر مقابل 160 كيلومتر).
إضافة إلى ذلك، فإن “ميغ-31 بي إم” هي أيضا طائرات ذات مقعدين مع ضابط أنظمة أسلحة متخصص، ما يجعلها أكثر فتكا في اشتباكات الجو-جو. وتصميمها الأيروديناميكي العالي يسمح لها بالتحليق بسرعة تفوق سرعة الصوت حتى على ارتفاعات منخفضة، وهو بالضبط ما يجب أن تطير به طائرات “إف-16” الموجودة في خدمة نظام كييف من أجل النجاة من الدفاعات الجوية الروسية التي لا مثيل لها والطائرات المقاتلة الأخرى المسلحة بصواريخ طويلة المدى. وعلاوة على ذلك، فإن محركات “سولوفيوف” D-30F6 (PS-30) تضمن للطائرة ليس فقط سرعة هائلة لا مثيل لها، تزيد عن 3000 كلم/ساعة، ولكن أيضا نطاقا هائلا يصل إلى 3000 كلم، لا قبل لـ “إف-16” به، كما تمنحها إلكترونيات الطيران قدرة غير مسبوقة على النظر إلى الأسفل/الإسقاط.
سيكون هذا مميتا بشكل خاص بالنسبة لطائرات “إف-16” ذات الطراز الأدنى بكثير، لا سيما بالنظر إلى حقيقة أن الأخيرة ستضطر إلى الطيران على ارتفاع منخفض، تماما مثل أي طائرة أخرى في خدمة الجيش الأوكراني، فيما يقوم رادار Zaslon-M PESA ذو مصفوفة المسح الإلكتروني السلبي الخاص بـ “ميغ-31″، الأول من نوعه في العالم، باكتشاف الطائرات المعادية على مسافة تصل إلى 400 كيلومتر، ما يعني أن بإمكانه اكتشاف وتتبع طائرات “إف-16” قبل وقت طويل، دون أن تكون تلك الطائرات على علم بوجود “ميغ-31”. إضافة إلى ذلك، يمنح الرادار المقاتلة الروسية القدرة على تتبع ما لا يقل عن 24 هدفا معاديا والاشتباك مع ستة أهداف في وقت واحد، وتتمتع “ميغ-31 بي إم” بقدرات حربية ممتازة تتمحور حول الشبكة، حيث تستطيع مشاركة بيانات ساحة المعركة ضمن مجموعة من الطائرات المقاتلة الأخرى.
على سبيل المثال، يمكن لأربع طائرات فقط من طراز “ميغ-31 بي إم” تغطية خط أمامي يبلغ طوله حوالي 1000، ومشاركة البيانات مع الطائرات الصديقة وأنظمة الصواريخ أرض-جو. إضافة إلى ذلك، يمكن للرادارات الأرضية نقل المعلومات إلى طائرات “ميغ-31 بي إم” في الجو وتمكين الاشتباكات الرادارية الصامتة، ما يجعلها أكثر فتكا في معارك الجو-جو، خاصة ضد طائرات “إف-16”. وبصرف النظر عن Zalson-M المقاوم للتشويش، تتميز الطائرة بمستشعرات IRST/FLIR (البحث بالأشعة تحت الحمراء، والتعقب/التقدم للأمام بالأشعة تحت الحمراء) بمدى يصل إلى 60 كلم تقريبا، وهو ما يمنح “ميغ-31 بي إم” القدرة على استهداف طائرات العدو في صمت راداري كامل. وبالتالي، وكما أسلفنا، فإن فرص حتى أحدث النسخ من طائرات “إف-16” الأمريكية الصنع ضد الاعتراض الروسي ستكون ضئيلة جدا أو معدومة.
الأسوأ من كل ذلك أن نظام كييف لن يحصل بالتأكيد على أي نسخ متقدمة من طائرات “إف-16″، بل على العكس من ذلك، فالطائرات التي وعدت بها عدد من دول “الناتو” هي طائرات من طراز AM/BM قديمة الطراز، وهي طائرات مقاتلة من طراز “إف-16” Block 20 MLU وهي ليست بأي حال من الأحوال من طائرات “ميغ-29” الموجودة في الخدمة بالفعل، وهذا تحديدا هو السبب الذي جعل المجلس العسكري النازي الجديد “يتسول” أكثر من 100 طائرة تم تعديلها بشكل كبير بدلا من أقل من 50 طائرة من طرازات أقدم وُعد بها. ومع ذلك، ولجعل الأمور أسوأ بالنسبة لنظام كييف، أعلنت الدنمارك، وهي واحدة من المانحين الرئيسيين لطائرات “إف-16” عن نقل 24 من هذه الطائرات إلى الأرجنتين، حيث ضغطت واشنطن على بيونس آيرس لإسقاط صفقة محتملة مع الصين واختيار طائرات “إف-16” القديمة بدلا من ذلك، والتي تريد كوبنهاغن التخلص منها والحصول على طائرات “إف-35” الجدلية.
المصدر: InfoBrics
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب