وجاء في المقال المنشور على موقع Foreign Affairs أن خطر اندلاع حرب نووية قد أصبح اليوم “الأعلى منذ نهاية الحرب الباردة”، فيما يصف كاتبا المقال أنه يعود إلى ما أسماه “التهديدات النووية المستمرة من روسيا، والتدريبات النووية في خضم الصراع بأوكرانيا”، وكذلك “التوترات في الشرق الأوسط التي تدفع إيران إلى تسريع برنامجها للأسلحة النووية”، في الوقت الذي تستمر فيه كوريا الشمالية في تحديث وتوسيع ترسانتها النووية، وفقا للمقال.
ومع احتمال عودة ترامب لرئاسة الولايات المتحدة، يشير المقال إلى عودة الولايات المتحدة هي الأخرى إلى إجراء تجارب نووية، “كما اقتراح مستشار الأمن القومي السابق لترامب روبرت أوبراين هذا الصيف”.
ويرى المقال أن هذه التطورات تمثل تحديا للأعراف النووية والمؤسسات والقواعد والمحرمات التي منعت استخدام الأسلحة النووية منذ قصف الولايات المتحدة لهيروشيما وناغازاكي عام 1945.
لكن تآكل هذا النظام النووي، وفقا للمقال، يأتي بالتنسيق ما بين الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا، كجزء مما أسماه كاتبا المقال “السعي إلى تقويض النظام الدولي القائم”، و”تحدي المعايير المتعلقة بحقوق الإنسان والحدود الدولية وانتشار الأسلحة النووية”. ويتابع المقال: “ولم يعد بوسع العالم الآن أن يفترض أن الأسلحة النووية لن تستخدم في صراع تقليدي، برغم نجاح الجهود الدبلوماسية العالمية الرامية إلى إرساء معايير حول استخدام الأسلحة النووية”.
تتجسد الأعراف النووية الأساسية، والتي تمثل حجر الأساس في منع العالم من الانزلاق نحو هاوية الصراع النووي، في نشأة عدد من الاتفاقيات مثل معاهدة منع الانتشار النووي لعام 1968، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية لعام 1997 في حالة الأسلحة النووية. ولكن باعتبار تلك الاتفاقيات والمعاهدات “معيارا للسلوك السليم والمناسب”، فإنها ليست بالضرورة ملموسة دائما. وفي النظام النووي، يمكن للقواعد أن تمنع الدول من استخدام الأسلحة النووية فقط من خلال آليات مقيّدة، تعتمد ما يسمى بالمحرمات النووية، التي تستند إلى الرفض الأخلاقي والسياسي الواسع النطاق للأسلحة النووية لخفض احتمالات استخدامها.
وحتى الآن، ولو نظريا، تعهدت معظم الدول بعدم إنشاء أو اختبار الأسلحة النووية، وبرغم أن الأعراف النووية تقضي بعدم استخدام السلاح النووي ومنع انتشاره واختباره، إلا أنها دائما ما كانت محل نزاع تاريخي، لا سيما العرف الخاص بمنع التجارب النووية.
وقد أفادت دراسة حديثة بأن هذه القواعد، والتي ترسخت منذ منتصف القرن العشرين، بعد هيروشيما وناغازاكي، تتعرض لتحد متزايد من قبل حفنة من الجهات الفاعلة. وتبدو إحدى نقاط الضعف هنا في الترابط بين الأعراف الثلاثة (التجارب، الانتشار، الاستخدام): فإذا تم انتهاك عرف واحد من الثلاثة، مثل منع التجارب مثلا، فإن بقية الأعراف بشأن عدم الاستخدام ومنع الانتشار قد تصبح هي الأخرى مهددة. وعليه فإن رفض عرف/ معيار نووي واحد قد يؤدي إلى هدم النظام النووي بأكمله.
وفي ظل البيئة الأمنية المتدهورة في السنوات الأخيرة، حذر زعماء دوليون وخبراء نوويون من أن الأعراف النووية الثلاث قد تتعرض لمزيد من التحديات. وقدّر مجمع الاستخبارات الأمريكي، في أكتوبر 2022، أن خطر الاستخدام النووي في أوكرانيا قد يرتفع إلى 50%، فيما صرح الأمين التنفيذي لمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية روبرت فلويد، بأن “التقدم يخاطر بتفكك النظام النووي في غياب حظر ملزم قانونا على التجارب النووية”.
وبرغم أن غالبية الدول (187 دولة) وقعت على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، وتلتزم بالأعراف النووية الثلاث (حظر التجارب ومنع الانتشار والاستخدام)، إلا أن المعاهدة لم تدخل حيز التنفيذ بعد، لأن بعض الدول القادرة على امتلاك الأسلحة والتكنولوجيا النووية لم تصدّق عليها بعد، بسبب المخاوف الاستراتيجية والتكنولوجية والأمنية، بما في ذلك المخاوف من أن التحقق من الامتثال سيكون صعبا، وأن بعض الموقعين قد لا يلتزمون بشروط المعاهدة.
وتتابع المجلة: “إذا استمرت الأعراف النووية في الانهيار، فقد يصبح العالم مكانا أكثر خطورة”. فالتجارب النووية المتكررة، وفقا للمقال، قد تؤدي إلى نتائج إنسانية وبيئية مدمرة، “ولنتذكر هنا أن الاختبار الأمريكي لسلاح نووي عالي القوة في عام 1954 على جزيرة بيكيني أتول في جزر مارشال أدى إلى تبخر ثلاث جزر وتلويث خمس عشرة جزيرة أخرى وتسبب في ظهور أورام الغدة الدرقية بين السكان. وفي خضم عدد متزايد من الصراعات الإقليمية، قد تكون العواقب المترتبة على عالم خال من المحرمات النووية وغياب أي قاعدة ضد استخدام الأسلحة النووية أكثر كارثية.
ويرى المقال أن اتساع ما أسمتها “الجهات الفاعلة” التي تنافس النظام الدولي يجعل الحفاظ على المعايير المتعلقة بالأسلحة النووية أكثر أهمية. ويشير المقال إلى أنه منذ عام 2014، أصر الرئيس الصيني شي جين بينغ على أن الصين تحت قيادته تتنافس على مستقبل النظام الدولي، وتتحدى التحالفات والمؤسسات والمبادئ التي اعتمدت عليها الولايات المتحدة منذ فترة طويلة لتشكيل النظام الدولي. وقبل عقد من الزمان، وفقا للمجلة، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيضا إلى نظام عالمي جديد يتماشى بشكل أكبر مع مصالح روسيا. ويعتقد كاتبا المقال أن الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا تمكّن بعضها البعض، بشكل متزايد، من “المعارضة المشتركة للنظام العالمي الذي يهيمن عليه الغرب، وهو عداء متجذر في اعتقادهم بأن هذا النظام لا يمنحهم المكانة أو حرية العمل التي يستحقونها”.
ويعتقد كاتبا المقال أن هذه القوى الأربع “عازمة على تحدي الأعراف النووية الرئيسية الثلاث، وهي تعتمد على الأسلحة النووية، وعلى شبح تلك الأسلحة، لتحقيق أهدافها الإقليمية والاستراتيجية. وكلها على استعداد لتقويض النظام النووي للقيام بذلك”، حيث يستشهد المقال بتصريح بوتين في فبراير 2024 بأن الدول الغربية “يجب أن تدرك أن روسيا تمتلك أيضا أسلحة يمكنها ضرب أهداف على أراضيها”، كذلك يعود كاتبا المقال إلى “تهديد” زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون مرارا وتكرارا باستخدام الأسلحة النووية بشكل استباقي. وكذلك “تعمل الصين على توسيع ترسانتها النووية بسرعة بينما تعارض محادثات ضبط الأسلحة” على حد تعبير المقال، فيما “عارضت إيران قاعدة منع الانتشار النووي، حيث طوّرت مكونات رئيسية لبرنامج أسلحة نووية يكذّب مزاعم طهران بالنوايا السلمية، والذي أصبح من الصعب كبحه منذ انسحاب الولايات المتحدة، عام 2018، من الاتفاق النووي الذي يهدف إلى الحد من برنامج الأسلحة الإيراني مقابل تخفيف العقوبات”.
ووفقا للمقال، فقد رفضت كوريا الشمالية القيود المفروضة على الانتشار من خلال انسحابها من معاهدة حظر الانتشار النووي في عام 2003، وتطويرها اللاحق للأسلحة النووية وتكنولوجيا الصواريخ، وتجاربها النووية، وتحديها للعقوبات الدولية.
ويتابع المقال: “إن الدول أكثر تضافرا في تحديها لمعيار التجارب النووية، المعيار الأضعف بين كل المعايير النووية. وقد حدث الانتهاك الأكثر وضوحا للمعايير الثلاث مؤخرا مع اختبار كوريا الشمالية في عام 2017 لما يشتبه في أنه سلاح نووي حراري. ولعل التهديد الأقل وضوحا، ولكنه لا يزال ذو صلة، هو التهديد المستمر بإجراء اختبار آخر، ولم تظهر هذه الإجراءات التقدم في القدرات النووية لكوريا الشمالية فحسب، بل تحدّت أيضا الإجماع العالمي ضد التجارب النووية. من جانبها، أبدت روسيا استعداها لاستئناف التجارب النووية وسط توترات جيوسياسية متصاعدة. واستئناف التجارب النووية، لا سيما من قبل دولة أخرى غير كوريا الشمالية، والتي ينظر إليها على نطاق واسع بأنها منبوذة، من شأنه أن يقوض المعيار ويثير المخاوف بشأن سباق تسلح جديد. وكل هذا التهديد النووي يزيد من خطر اندلاع حرب تقليدية تنزلق إلى صراع نووي”.
وتشير “فورين أفيرز” إلى أن الولايات المتحدة خالفت الأعراف النووية الدولية عندما فشلت في التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية في عام 1999، كما فعل المستشارون السياسيون في كوريا الجنوبية عندما اقترحوا على كوريا الجنوبية تطوير برنامج مستقل للأسلحة النووية.
وتستنج المجلة أن النظام النووي في خطر، ولا يمكن لأي دولة أن تحافظ عليه بمفردها، لذلك لا ينبغي للولايات المتحدة أن تعطي الأولوية لمجموعتين من الشراكات الدولية القادرة على فرض المعايير النووية في هذه البيئة المترابطة. ويحدد كاتبا المقال أنه يتعين على واشنطن أولا أن “توسع علاقاتها مع بلدان الجنوب العالمي، والتي قد يكون عدد منها شركاء مستعدين لتحدي التعنت والتحدي للمعايير. والواقع أن بلدانا مثل المكسيك أعربت عن مخاوفها إزاء التآكل الأخير للنظام النووي، بما في ذلك مخاطر الاستخدام النووي والأهمية المتزايدة للأسلحة النووية”.
كذلك يرى المقال أن “التهديدات للنظام النووي توفر فرصة لبناء إجماع، ويتعين على البلدان التي تسعى إلى مزيد من المشاركة الإقليمية والحوار وتطوير فهم أفضل لوجهات النظر المختلفة بشأن الأسلحة النووية. على سبيل المثال، تنظر الدول المسلحة نوويا إلى الأسلحة باعتبارها ضرورية لأمنها، لكن العديد من الدول التي لا تمتلك هذه الأسلحة تنظر إليها باعتبارها تهديدات أساسية للسلام العالمي، وتدعو بدلا من ذلك إلى النزع الكامل للأسلحة النووية. وقد يتطلب بناء الإجماع محادثات غير مريحة حول المخاوف من أن الولايات المتحدة لا تفي بمسؤولياتها تجاه النظام النووي، فهي من بين حفنة من الدول التي وقعت على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، ولكنها فشلت في التصديق على المعاهدة. ومع ذلك، ينبغي أن يكون أحد أهداف هذه الحوارات إثبات أن الدول التي تمتلك أسلحة نووية ليست كلها متشابهة. ولا ينبغي التعامل معها باعتبارها كتلة واحدة في الدبلوماسية الدولية. فالعديد من الدول غير النووية تلقي باللوم على جميع الدول الحائزة للأسلحة النووية بالتساوي في تآكل المعايير النووية دون لفت الانتباه إلى السلوكيات الأكثر خطورة مش تهديد روسيا بالسلاح النووي في أوكرانيا. والتعامل مع الدول النووية بشكل فردي يمكن أن يساعد في عزل السلوكيات المسؤولة عن السلوكيات غير المسؤولة وتخصيص الضغوط على تلك الدول التي تقاوم النظام النووي بنشاط”.
ثانيا، يعتقد كاتبا المقال بأهمية ما أسمياه “تعزيز الشراكات مع حلفاء الولايات المتحدة في حلف (الناتو) وفي منطقة المحيطين الهندي والهادئ لدعم المعايير النووية القائمة”. ومع ذلك، يرى المقال أن التحدي الخاص سيكون في أن الخطوات الرامية إلى تعزيز معيار واحد يمكن أن تضعف بشكل غير مباشر معايير أخرى. على سبيل المثال، قد يعمل الردع النووي ضد التصعيد على تعزيز معايير عدم الاستخدام وعدم الانتشار لأن زيادة الأمن من شأنها أن تقلل من الحاجة إلى القوى غير النووية لتطوير قدرات نووية مستقلة. في الوقت نفسه، يمكن أن يفرض عقبات أمام ضبط الأسلحة ونزع السلاح على المدى الطويل من خلال زيادة أهمية الأسلحة النووية وقيمتها المتصورة. لهذا السبب، يستنتج المقال أنه “يجب على الولايات المتحدة وشركائها تبني نهج مزدوج المسار، ودعم الردع، مثل التصريحات الأخيرة لمسؤولي إدارة بايدن التي تشير إلى أن الولايات المتحدة قد تضطر إلى توسيع خطط التحديث النووي، مع استكشاف حلول إبداعية للحد من المخاطر النووية وتعزيز المعايير”.
يختتم المقال بفكرة أن الولايات المتحدة، على سبيل المثال، “قد تشجع اليابان، الدولة الوحيدة التي شهدت الدمار الناجم عن الأسلحة النووية في الحرب، على تيسير الحوار بين الدول المسلحة نوويا والدول غير النووية لصالح الحفاظ على القواعد. كما يتعين على الولايات المتحدة أن تواصل الاستثمار في تحالفاتها، وتوسيع التزامها بالردع، والانخراط في حوار صادق مع الدول النووية وغير النووية على حد سواء، وتوضيح المخاطر إذا استمر الانزلاق الحالي. إن النظام النووي ينهار بهدوء، وأي خرق في أحد ركائزه قد يؤدي إلى تقويضها جميعا على نحو كارثي”.
المصدر: Foreign Affairs
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب