تحت هذا العنوان كتب الصحفي ماثيو كانيتشينغ في جريدة “بوليتيكو” مقالا يتناول تسريب محادثات ضباط الجيش الألماني، وتداعيات ذلك على تسليم صواريخ “تاوروس” لأوكرانيا.
أدت عملية التجسس الناجحة التي قامت بها موسكو إلى انقسام الحلفاء الغربيين، وتشويه سمعة المستشار الألماني أولاف شولتس، وعرقلة مساعي كييف للحصول على الأسلحة.
ربما يكون اليوم لا زال الثلاثاء فقط، إلا أن أسبوعا مليئا بالزخم مرّ به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وعلى مدى الأيام القليلة الماضية، تمكنت موسكو من زرع الانقسام بين أعدائها، وتشويه سمعة المستشار الألماني، وإحباط مساعي أوكرانيا لتأمين الأسلحة الرئيسية، وكل ذلك دون تسميم أو اغتيال شخص واحد.
نذكّر بأن شبكة قنوات RT نشرت، الجمعة الماضية، تسجيلا مسربا لمحادثة بالفيديو بين عدد من كبار المسؤولين العسكريين الألمان، بما في ذلك قائد القوات الجوية الألمانية إنغو غيرهارتز. وخلال الاجتماع، الذي استمر حوالي 40 دقيقة، والذي عقد في 19 فبراير، ناقش الضباط بالتفصيل السياسات واللوجستيات المتعلقة بتسليم صواريخ “تاوروس” إلى أوكرانيا، إضافة إلى الأهداف المحتملة.
بالنسبة لبوتين، الذي ظل “جاسوسا” في قلبه بعد عقود من توليه زعيما لروسيا، فليس هناك فرحة أكبر من التفوق على خصوم روسيا في الفنون المظلمة (لا سيما في ألمانيا، حيث أمضى جزءا من حياته المهنية في إدارة الاستخبارات السوفيتية). ولكي نكون منصفين، فقد تلقى بوتين مساعدة كبيرة، ولو عن غير قصد، من المستشار الألماني أولاف شولتس نفسه.
فقبل أيام فقط من نشر الروس للتسجيل، استبعد شولتس علنا إرسال أية صواريخ “تاوروس” إلى أوكرانيا، بحجة أن القيام بذلك سيتطلب من ألمانيا نشر جنود في منطقة حرب، وهو ما من شأنه، من وجهة نظر شولتس، المخاطرة بجعل ألمانيا هدفا لروسيا.
وقال شولتس للصحفيين 26 فبراير: “أنا مندهش من أن البعض لا يتأثرون حتى بهذا الأمر، وكأنهم لا يفكرون حتى فيما يمكن يؤدي إليه ذلك من تورط في الحرب”، مشيرا إلى بريطانيا وفرنسا اللتين تزودان بالفعل أوكرانيا بأنظمة صواريخ كروز مماثلة، ولديها أفراد على الأرض في أوكرانيا.
ومتحدثا عن “تاوروس”، تابع شولتس: “إنه سلاح بعيد المدى للغاية، وما يفعله البريطانيون والفرنسيون فيما يتعلق بالسيطرة على الأهداف ودعم السيطرة على الأهداف لا يمكن القيام به في ألمانيا، وكل من رأى تلك الأنظمة يفهم ذلك”.
يبدو أن الجميع يفهمون باستثناء كبار ضباط القوات الجوية الألمانية، وخلال مكالمتهم التي تم اعتراضها، لم يناقش الجنرالات فقط كيفية تسليم هذه الصواريخ إلى أوكرانيا دون نشر قوات على الأرض، بل أعربوا أيضا عن الارتباك بشأن موقف شولتس.
وقال أحد الجنرالات، غيرهارتز في نقطة ما من المحادثة: “لا أحد يعرف حقا سبب عرقلة المستشار”، ويمضي في وصف ما يسميه “الشائعات الجامحة” حول سبب عدم إرسال برلين لصواريخ “تاوروس”، بما في ذلك الصواريخ التي لا تعمل بشكل صحيح، وهو اقتراح رفضه الضابط ووصفه بـ “الهراء”. ويكشف الجنرال أنه سمع الإشاعة من أحد المراسلين “المقربين للغاية من المستشار”.
وفي الأسبوع الماضي، قال النائب عن حزب الخضر أنطون هوفريتر إنه من الواضح أن شولتس “لا يقول الحقيقة بشأن صواريخ (تاوروس)، مشيرا إلى أن ألمانيا أرسلت 260 صاروخا منها إلى كوريا الجنوبية، دون نوع الدعم المستهدف الذي وصفه المستشار”، وأشار إلى أن السبب الحقيقي وراء إحجام شولتس قد يكون أنه “لا يثق في الأوكرانيين”.
في الواقع، لدى شولتس وزملائه المتشككين من الديمقراطيين الاشتراكيين مخاوف طويلة الأمد من أن كييف قد تستخدم أي صواريخ موجهة ترسلها برلين لمهاجمة موسكو بشكل مباشر. ويبلغ مدى صاروخ “تاوروس”، الذي يتم إطلاقه عادة من بطن طائرة مقاتلة، حوالي 500 كيلومتر، ما يعني أن طائرة أوكرانية تقوم بدورة قصيرة فوق الحدود الشمالية للبلاد يمكن أن تضع العاصمة الروسية موسكو ضمن نطاق الصواريخ.
ويقول أنصار إرسال الصواريخ إلى أوكرانيا أن الأخيرة لم تنتهك حتى الآن القيود المفروضة على نشر الأسلحة التي زودتها بها ألمانيا ودول أخرى. ومن المؤكد أن خطر تجاهل أوكرانيا لمثل هذه القيود في خضم المعركة لا يمكن تجاهله. ومع ذلك، وبما أن ألمانيا زودت أوكرانيا بالفعل بما يقرب من 30 مليار يورو على هيئة مساعدات ومعدات عسكرية، بما في ذلك الدبابات، فإن عددا من خبراء الأمن يشككون في المنطق وراء رفض شولتس تسليم “تاوروس”.
وكان الغرض الظاهري من الاجتماع المسرّب هو تطوير استراتيجية اتصالات لوزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، لمنحه وجاهة بلاغية في محادثاته مع شولتس.
وكانت أحد المخاوف التي شاركها كبار الضباط هو أن المملكة المتحدة وفرنسا تقاومان بالفعل إرسال المزيد من صواريخ كروز بنفسها حتى حذت ألمانيا حذوهما. وكان المعنى الضمني هو أنه في حين أن صواريخ “تاوروس” الألمانية لن تحدد وحدها نتيجة الحرب، إلا أنها ستكون جزءا من سلسلة توريد أكبر بكثير تبقي أوكرانيا على قيد الحياة.
واقترح الضباط أن إحدى “نقاط البيع الفريدة” لصواريخ “تاوروس” هي أن هذه الصواريخ دقيقة بشكل متميز، مما قد يسهل على أوكرانيا تدمير أهداف استراتيجية مثل جسر كيرتش (القرم) الذي يربط بين روسيا وشبه جزيرة القرم. وقال أحد الضباط إن القوات الجوية “درست بشكل مكثف” كيفية تدمير الجسر، وتوقع أن تحتاج أوكرانيا ما بين 10-20 صاروخ “تاوروس” للقيام بذلك.
واتفق الضباط على أن القضية الأكبر هي التغلب على المخاوف داخل الحكومة الألمانية بشأن مظاهر التورط الألماني، فيما قد يستغرق تدريب الأوكرانيين على استخدام الصواريخ بمفردهم عدة أشهر، والأكثر من ذلك، أنهم سيحتاجون إلى معلومات استهداف مفصلة يجب أن تأتي من ألمانيا.
وكانت أحد المقترحات التي تمت مناقشتها في المكالمة يتعلق باستخدام مقاول الدفاع الذي يصنع هذه الصواريخ كوسيط لإرسال بيانات الاستهداف بالسيارة عبر بولندا إلى أوكرانيا.
واقترح أحد الضباط: “يمكن لأي شخص أن يقود السيارة ذهابا وإيابا”.
وحذر مشارك آخر زملاءه من عرض مثل هذه الأفكار على بيستوريوس، لأنهم قد يفسدون المشروع قبل أن يبدأ. وقال: “علينا أن نكون حذرين حتى لا توضح أي معايير للقتل في البداية”، وتابع: “تخيل ما سيحدث إذا التقطت الصحافة مثل هذه الموجة!”.
وقال أحد الضباط إن إحدى الطرق لتجنب مثل هذه الصعوبات قد تكون إشراك الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة: “نعلم أن هناك الكثير من الأشخاص الذين يتحدثون لهجات أمريكية يركضون في الأنحاء بملابس مدنية في القيادة الأوكرانية”.
وقد سعت حكومة شولتس إلى وصف التبادلات بأنها نوع من المناورات الحربية التي يدفع للضباط العسكريين مقابل إجرائها. وقال بيستوريوس إن الفضيحة الحقيقة كانت “حرب المعلومات” التي شنّها بوتين.
وتابع بيستوريوس يوم الأحد: “نحن نتعامل مع هجوم هجين يتضمن معلومات مضللة لتقسيمنا وتقويض وحدتنا، ولا ينبغي علينا أن نقع في فخ خدعة بوتين”.
ومع ذلك، في الحقيقة، يعود الفضل في الاختراق الروسي إلى أساليب التجسس القديمة أكثر من المعلومات المضللة. نعم، ربما يستخدم بوتين التسجيل لتغذية “آلته الدعائية” في الداخل، وتقديمه كدليل إضافي على أن الغرب يسعى للحصول على روسيا. لكن التسريبات الألمانية كانت كالكذبة، فيما تبدو الدفاعات الألمانية في مجال مكافحة التجسس في حاجة ماسة إلى الإصلاح الشامل.
علاوة على ذلك، لم يتم التلاعب بأي شيء قاله الضباط في المكالمة.
وهو ما يجعل هذه التسريبات قوية للغاية، فهي ليست “معلومات مضللة”، بل مجرد معلومات غير خاضعة للرقابة. حيث يكشف التسجيل الإحباط المؤسسي الذي يعاني منه الجيش الألماني وحيرته إزاء تعنت المستشار بشأن إرسال صواريخ “تاوروس”. ولسوء الحظ بالنسبة لأوكرانيا، فإن نشر المحادثة جعل من غير المرجح أن تحصل كييف على الصواريخ، على الأقل في الوقت الراهن، بينما أشار سياسيو المعارضة إلى أنهم قد يطالبون بإجراء تحقيق في هذه القضية، وما إذا كان شولتس صريحا بشأن سبب عدم إرسال الصواريخ، إلا أن هذه العملية قد تستغرق أسابيع، إن لم يكن أشهر، ولن تفعل الكثير لمساعدة أوكرانيا.
بدوره قال النائب الديمقراطي المسيحي روديريش كيسفيتر، الذي يقود حزبه في لجنة الشؤون الخارجية في البوندستاغ: “لقد أصبح شولتس يشكل خطرا أمنيا متزايدا على أوروبا”.
وفي يوم أمس الاثنين، أوضح شولتس، متجاهلا دعوات وزير خارجيته للتحرك، أن التسريب لم يغير موقفه. وأثناء زيارة لجنوب ألمانيا قال المستشار الألماني: “أنا المستشار، وهذا هو الحال”.
أما بالنسبة لبوتين، فقد تم إنجاز المهمة بنجاح.
المصدر: Politico
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
Putin ❤️ ❤️ ❤️ 💪🇷🇺